محسوبة بأسعارها الحاضرة ولم ينظر فيها إلى غلاء أجور العملة وارتفاع أسعار المحاصيل ورأوا أن ما يعرض للغابات من التخريب الناشئ عن الحريق والحشرات والثلج والعواصف وغير ذلك يعادل ما تربحه الحكومة من ارتفاع الأسعار لأن ما ينفق من الغابات يزيد على ما يخرج منها الآن في البلاد المتمدنة، وهذا التشجير يشغل تسعين ألف رجل طول السنة عدا من يستخدمهم من أرباب الحقول مؤقتاً.
نعم إن تأثير الغابات في المناخ وأنباط المياه وتحسين الأرض وتطهيرها وجمالها وفائدتها الاقتصادية والوطنية لا ينكرها إلا أعمى البصر والبصيرة، ومما ذكروه من منافع الغابات للوطن إن غابة هو سنين وهي غابة صنوبر تمتد بين نهري الرين والفتول قد صدت كتائب الرومانيين عن التقدم، وهكذا حلت انكلترا مسألة الغابات وهي موطن الاستقلال الشخصي واحترام الأملاك الخاصة وتقسيم الادارة المركزية لعلمها بأن الأفراد في هذه المسائل لا صبر لهم بقدر الحكومة ولا عجب فهي الحكومة التي تغرس الغرسة اليوم وتنتظر جني ثمرها بعد قرن أو قرنين هذا في البلاد القاصية فما بالك بها في عقر دارها.
إليك أقل ما يجب أن يقال في وصف منافع الغابات والتشجير ويدل على مبلغ عناية الافرنج بها وهم أعرف الخلق بالانتفاع من هذا الوجود، وأن من يطوف المعالم والمجاهل من بلاد سورية ليستنتج أن عناية أجدادنا بالغابات لم تكن دون عناية الغربيين بها اليوم وإن كانت البقية الباقية منها لا تسد خلة ولا تغني أهلها، وإذا كانت الحكومة في القرون الأخيرة لا تهتم إلا لتكثير الجباية والعشر ولو باستنزاف دماء الفلاحين وكان الأمن إذا ارتفعت أعلامه في بعض الأقاليم فإنما يرتفع بالقرب من الحواضر والقصبات والدساكر كانت الغابات في الغالب نهب الناهبين وغرضاً لاسنان القطعان وفؤوس الحطابين ولم تؤسس في الدولة نظارة للغابات إلا منذ سنين قليلة وكأنها لم تكن إلا لتأتي أيضاً على ما أبقته طوارق الحدثان من غاباتنا الجميلة لأن عمالها يساعدون على تقليلها وكان الواجب عليهم أن يساعدوا على تكثيرها.
وكم من جبل في سورية اجرد امرد لا شجرة فيه كجبل قلمون الذي تمشي فيه ساعات ولا تجد أثراً للزرع ولا للشجر حتى قال أحد الأجانب ممن زاروه مؤخراً: كنت أتمنى في حياتي أن أشاهد جبلاً أجرد من الكلاء والشجر فيها قد قرت عيني في قلمون بمشاهدة ما