للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

من العمران إلا اليسير على أنها أخذت بالتقدم والنماء منذ ثلاثة أرباع قرن شأن المدن الراقية حتى بلغت ما بلغته وناهز سكانها أربعمائة ألف نسمة.

هذا بعض وصف مدينة سدوم العالم الجديد قبل الحادثة الأليمة التي ألمت بها. أما اليوم فقد صارت قصورها البديعة رماداً ودورها الجميلة خراباً وسائر أبنيتها الثمينة قفراً يباباً حتى ابتلعت الأرض كثيراً من رياضها الغناء وحدائقها الزهراء وأصبح معظمها أطلالاً دوارس وآثاراً طوامس.

تناول شعراء الأمريكان فاجعة غادة الباسيفيك ونظموا فيها القصائد المؤثرة فرثوها بما يذيب سماعه قلب الجماد. واشتغلت الأسلاك البرقية في كارثتها العظيمة في كل أنحاء البلاد وبلغ نبأها أرجاء العالم المتمدن وانقضت أسابيع على المصيبة والجرائد الأميركية بالإجمال تصف هذا الخطب الجلل.

حدث زلزال شديد الساعة الخامسة والدقيقة الثانية عشرة من صباح ١٨ نيسان (إبريل) الماضي في مدينة سان فرنسيسكو دام دقيقتين فانشقت الأرض وابتلعت شطراً من المدينة بما فيها ومادت الأبنية وسقطت الدور ودمرت القصور وفاضت مياه الأوقيانوس على المدينة وأخذ البركان في جوف الأرض ينذرها بالويل والشقاء والدمار. حدث هذا الزلزال بينما كان الناس نياماً فزعزع أركان المدينة وأشد ما كانت وطأته على أهم بيوت التجارة والأعمال فيها ثم توالت الزلازل فأتت على البنايات المتزعزعة ودمرتها وثبتت الأبنية المتينة المشيدة هياكلها بالحديد بادئ بدءٍ.

ثم تصدعت أنابيب الغاز من الزلازل التي توالت بشدة فشبت النار في المدينة والتهمت ما بقي من الدور الفخيمة والأبنية العظيمة وحاول رجال المطافئ إخماد النيران ولكن مساعيهم ذهبت أدراج الرياح ثم عادوا بالديناميت لنسف الأبنية المجاورة لألسنة اللهيب الهائلة فلم يستطيعوا إيقافها وما انقضى بضع ساعات على شبوب النيران في الحي التجاري حتى اتصلت بأحياء السكن فالتهمتها فأصبحت المدينة كطود من نار.

وإذا رأى الفرنسيسكيون أن عروسهم الجميلة قد دكت إلى الحضيض ودفنت طيَّ اللحود فرَّ منهم نحو مائة ألف نفس إلى أوكلاند كليفرنيا وفرَّ الثلاثمائة ألف الباقون إلى الجهات المجاورة للمدينة والمطلة عليها يتوسدون الغبراء ويلتحفون السماء ويقاسون آلام الطوى