الحركة الدينية التي أحدثها هوفمان الذي ذهب إلى أن الرأي الحالي في دين النصرانية لا يكون سبيلاً إلى أن يحيا المتدينون بها حياة مسيحية حقيقية فأخذ أشياعه على أنفسهم أن يقيموا ملكوت الله في الأرض بأن يبدؤوا بذلك من أرض الوعد ومنها ينبثون في أوروبا ليجددوا حياة الكنيسة والمجتمع وهم يفسرون نبوات العهد القديم تفسيراً حسناً فشرعوا سنة ١٨٦٨ بإنشاء مستعمرة في حيفا وفي الوقت نفسه أنشأوا مستعمرة لهم في يافا ولهذه الطائفة الآن أربع مستعمرات يناهز سكانها ١٣٠٠ وقد ساعدت على استعمار البلاد وفتحت للألمان باب التدخل في شؤوننا أحياناً.
ولو عقل من يساكنون هؤلاء الألمان من أهل حيفا ويافا لقلدوهم في نشاطهم وتنظيم بيوتهم وحدائقهم، زر حي الألمان أو مستعمرتهم في الشمال الغربي من حيفا وألق عليها نظر المتدبر تجدهم لا يزيدون عن سبعمائة نسمة ولهم مدرستان ومعبدان، سرح رائد الطرف في تلك الطرق المعبدة المنسقة والبيوت القائمة على نظام واحد تحيط بها الحدائق الصغرى الغاصة بكل غض ويانع المستوفية شروط المرافق والمنافع وتعال معي بعدها ننظر إلى ما في جوارها من بيوت الوطنيين وأحيائهم فماذا تجد؟ تجدها بؤرة الأوساخ ومثال الخلل ونموذج الاتكال وراموز الجمود والخمود، طف واعتبر بيناتهم العاملات وبناتنا الخاملات ثم أنصفنا وأنصفهم منا، هل نرى رجالنا في اقتدارهم على مستوى بناتهم في تربيتهن ونشاطهن، أما التنظير بين رجالنا ورجالهم فهذا لا يقول به حتى أضيق الناس عقلاً.
شرذمة من المطرودين من بلادهم نزلوا بلادنا فقراء معدمين لا يملكون غير مضائهم وبعض حرف يحسنونها فساعدهم بعض موسريهم على ابتياع عشرات من الأفدنة من أرض بلادنا فعمروها كما ترى على النسق الألماني ولم تمض بضع سنين حتى وفوا بنشاطهم ديونهم وأثروا ولا إثراء ابن البلاد الذي ورث مئات الأفدنة وأصبحوا يغبطون حتى من كبار أغنيائنا ونحن من أمرهم حائرون باهتون لا نعمل ولا نتحرك كأن الفتور قد كتب علينا والغرور مسجل في صحائف حياتنا وكأنهم خلقوا من طينة غير طينتنا وعقل يستحيل علينا أن نلحق شأوه.
ولا ننس تلك الحديقة التي زرناها في المستعمرة الألمانية في حيفا وقد تجلى لنا فيها المضاء الغربي في أجلى مظاهره حتى لظننتنا في حديقة من حدائق فرنسا أو ألمانيا،