حديقة لا تبلغ مساحتها فداناً دمشقياً وفيها معظم ما يجود في الأرض الحارة من صنوف البقول والأشجار جعلت مساكب وقسمت طرقاً وقد قيل لنا أن دخل صاحبها منها لا يقل عن خمسين ألف قرش في السنة فلم يسعنا إلا أن نقول سبحان الله السر في السكان لا في المكان، نعم السر في السكان ولا عجب إذا رأينا الألمان في مقدمة دول الأرض بعلومهم وصناعتهم وإحصائهم في الفنون وعندهم مثل هذا الشعب النشيط الذي يعلم بعمله أهل النشاط من الأمم دروساً سامية فما بالك به مع الخاملين.
وعلى ذكر حيفا لا بأس بإيراد نبذة موجزة من تاريخها لنسلسله إلى حالتها اليوم فنقول:
كانت حيفا قديماً تسمى قلمون وليس لها ذكر في التوراة وتاريخها القديم غامض لا شأن له، ولقد كان الساحل من نصيب قبيلة عازر ولما وصل الاسرائيليون إلى هذه البلاد لم يستطيعوا أن يستولوا على مدينة من المدن الساحلية ومن جملة الملوك الذين غلبهم جوزوي في شمالي فلسطين كان الملك جوشانان ملك الكرمل والكرمل كانت كما يقول المؤرخ بلين على الجبل المسمى باسمها وكان اسمها قديماً اكباتان وكان في جوار حيفا أو قلمون مدينة اسمها سيكامينوس أي مدينة الصبار لكثرة هذا الشجر في أرضها فكانت قلمون وسيكامينوس مدينتين متنافستين تعمر الأولى وتخرب الثانية وهكذا كانت المنافسة بينهما سجالاً إلى القرون الوسطى وقد زالت سيكامينوس من لوح الوجود أبد الدهر، فتاريخ المدينتين كما قال برنابه ميسترمان ممزوج بعضه في الآخر، ولقد روى التاريخ أن بطليموس لا يثر حاكم جزيرة قبرص بعد أن طردته أمه كليوباترا من مصر جاء سنة ١٠٤ ق. م لنجدة عكا وكان يحاصرها إذ ذاك اسكندر جانى ملك يهودا فأنزل جنده وكان ثلاثين ألفاً في مدينة سيكامينوس وفي أوائل التاريخ المسيحي لم تكن سيكامينوس ذات شأن هي وسائر المدن المجاورة لها وكانت مدينة عكا على رأي سترابون أرقى تلك البلاد وتجيء بعدها قيسارية.
وكثيراً ما يذكر اسم الكرمل وبعض المدن مثل سيكامينوبوليس وبوكولوبوليس وكروكوديبوبوليس وغيرها وذكر المؤرخ بلين أموراً كهذه، وقد ازدهرت مدينة سيكامينوس ومدينة قلمون في القرن السادس للميلاد.
ومعنى حيفا بالعبرانية الرأس أو الأرض الداخلة في البحر لأنها أنشئت في جوار الكرمل