العقول الشعور الوطني بتأثير النطق والمهارة في انتقاء الكلام وتنبيه الأفكار إلى الشعور بالجمال وبيان مكانة المؤلفين من الذكاء.
وما برح عندنا (فرنسا) أجل رجال الإدارة والتعليم والصحافة يعنون كل العناية ببعث النفوس في المدارس على حب القراءة فقبلت وعملت في هذا السبيل أمور جميلة من العبث أن تحدثوا بها واكتفي في هذه المسامرة أن أبين تأثير القراءة الجهرية وكيف ينبغي للقارئ أن يقرأ حتى يتجلى هذا التأثير فأقول: إن القراءة تبعث في الخطاب روحاً، وفي هذه الكلمة جواب سؤالنا الأول ولكن ما هو سر هذه الحياة وأي معنى لهذه الاستعارة؟ فقد شبه أفلاطون الخطاب بالتصوير في قوله: إن الحال في الكتابة كما هو في التصوير فإن الصورة تتراءى للأنظار حية ولكن إذا سألتها لا تحير جواباً وهكذا الحال في الخطب المكتوبة فإذا سمعتها تظن أنها تفكر ولكن إذا سألتها بعض إيضاح عن الموضوع الذي تخوض عبابه تجبك جواباً واحداً أبداً، وإن خطاباً إذا أهين واحتقر ظلماً يحتاج على الدوام لمعونة من أبي عذره أما هو فعاجز عن الدفاع عن نفسه.
ومعنى ذلك أن المؤلف إذا لم يكن مستصحباً لكلامه لا فائدة من تصوراته فهو إذا تلا كلامه يحفظ في ذهنه حوادث وأفكاراً وأحكاماً وتجارب وتحقيقات أدت به إلى تلك النتائج ولذلك تحف حول كل فكر عبر عنه بالكتابة مواكب غير مرئية من الأفكار التي تشرح الكلام وهي من توابعه، والخطاب المكتوب وحده لا يقوم بالإفصاح عن تلك المعاني المستترة وصوت الإنسان هو الكفيل بإثارة فكر الحضور على الانتباه لما فيه من الدقائق فإن ألوفاً من صور الكلام ليست سوى شروح تعين على إدراك القصد من الأفكار والصلات بينها وتعارض الأشكال وتقاربها والصورة الخاصة بالأشياء والغاية التي ينتهي إليها الفكر بل هو العمل بذاته الذي انصرف إليه الكاتب الذي يتجدد في فكر القارئ والمستمع بل هو الذكاء الراقد في غشائه المادي يتنبه ويحيي النفس، هذا هو التأثير الأول من الجهر بالتلاوة وهو من آكد الطرق وأفعلها في تفهيم الكلام بجلاء والتعمق بأسراره.
لا أدري ما في الصوت البشري من سر يرسل إلى الإنسان فيبلغ شغاف قلبه، هذا السر أشبه بما يسمى في الطبيعيات الاهتزازات الحادثة في آن واحد، فترى القارئ والسامعين يهتزون معاً واضطراب الأول يفعل في الآخرين وبالعكس وبتأثير العقل الذي يذكرون