للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

صنعه تنشأ هذه الظاهرة فهو الذي يحيا فيهم وحبه للحقيقة والجمال وهما أصل المكتوم من أفكاره ينبعث في روح أحبابه، وهكذا لا يفهم القارئ غيره بل يحبب المؤلف إلى سامعي كلامه فبسماع صوته يضيع اللسان المكتوب ماله من الكثافة والمادة ويغدو رمزاً خالصاً ويتسرب بالتدريج إلى النفوس الباحثة ويصبح كالصلة والعائد بين تلك الأرواح نفسها، وبينا تترنح الأعطاف تنفتح أبواب النفس على ما ينبغي ويشرع العقل يخاطب عقلاً آخر مثله.

وعلى هذا فإن التلاوة بصوت جهوري تعلم وتشعر بنشاط غريب، وما الفهم والشعور بقوة إلا باعث على الإرادة إلا قليلا ومن صحت إرادته كان حرياً بأن يبدأ بالعمل، فمن تلاوة المصنفات الجليلة تنشأ أفكار سامية يكون من أثرها أن نرقى نحن إلى مستواها ونتفهم مغازيها فتفعل في أفكارنا وأفعالنا.

أما كيفية القراءة فقد قال لي رجل مشهور بالتفنن والرياضات أن أحسن الطرق لإجادة القراءة هو أن يتلفظ الإنسان على وجه الصحة محافظاً على المخارج بحسب ما يعطيه الكلام والخطاب يفعل في النفوس كما تشاء ويفكر فيه الذهن بذاته وأن من يحاول أن يشرح فكر المصنف يحشر نفسه بينه وبين المؤلف حشراً على غير داع، ولمثل هذا الفكر أنشأ بعض نوابغ الشعراء منذ بضع سنين تمثيل روايات اللعب المعروفة حرصاً منهم على سلامة هذا الفن وممثلو هذه القصص لا يحاولون على الأقل أن يقوموا مقام المؤلف.

ومن المحقق أن الواجب أن يقرأ ما في النص وأن لايحاد عما فيه فإن بعضهم يحرفون ما يجدونه مسطوراً أمام أعينهم خفة منهم أو عادة لهم الفوها أن يكتفوا بما حصل أو لقلة لين في ملكتهم أو لاهتمامهم بالموضوع تاركين ما تقضي به الأمانة للتأثير في فكر السامع بقدر ما يعطيه الكلام.

وانه ليحرم على المربي أن يزيد وينقص من عنده ليلفت بذلك النظر إلى نفسه كما بفعل بعض الممثلين فيزيدون من عندهم قحة منهم واعند ليحوزوا استحسان الحضور لهم، ولن ينجح مرب يقصد من تلاوته على تلاميذه أن يعجبوا بقريحته وكذلك لا تكون تلاته لتسلية سامعيه كما يفعل بعض العامة فان الافكار العالية واللهجة الجميلة ليست من اداوات السرور والحظ بل يتوخى فيها ان يشترك سامعها بالحياة العالية المنبعثة من فكر قائلها،