للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

كونت إلى صديق مخلص في السنة الأولى بعد زواجه يقول: إن الأحزان أغرقتني والهواجس استحوذت عليَّ فاضطررت أن أفادي من سعادتي بجزء إذ لم يكن أعظم أجزائها فهو ألذها وأحلاها.

نشوء الأفكار السامية في هذه البيئة الرديئة يحرك في النفوس مواضع الدهشة والإعجاب ويحملها على احترام الفيلسوف الذي كان يقوم على تنشئتها والخطوب المتوالية تفسد نظام حياته وكان الفشل حليفه في كل أعماله فأخفق في إيجاد تلامذة يتلقون أفكاره وآراءه ولم يجبه سوى شخص أضجرته الوحدة فودع أستاذه غير آسف.

وفي هذه الأثناء أخذت أفكار الفيلسوف بالتكامل وشرع بنشر مقالات في جريدة المنتج (لوبرودكتور) كان يتقاضى عنها بعض الدريهمات ولما آيس من بث أفكاره بواسطة تلاميذه عمد إلى إلقاء محاضرات وأعلن عن المحاضرة الأولى سنة ١٨٢٦ راجياً أن يصيب بذلك شهرة وأن يفوز بنفع مادي يستعين به على حاجته وفقره وشجعه أحد أصدقائه على ذلك بقوله: إن كثيرين يبحثون في آرائك وأفكارك غير ذاكريك بشيءٍ فاعلن أنك أنت صاحبها فعمل فيلسوفنا بنصيحته وسمع المحاضرة الأولى رجال من جلة علماء فرنسة ونخبة آدابها.

وما كاد طالع السعادة يبسم لكونت ويتحدث الناس باسمه وفضله حتى داهمته الكوارث فمني بنزيف دماغي عقيب المحاضرة الثالثة لأن ثورة أفكاره انعقدت بتأثره لشقائه العائلي فأصيب بمرض عضال عاناه سنة فلما أخذ بالنقه من مرضه فكر فيما آلت إليه حاله وأبصر لتعاسة آخذة بسبله فيئس من الحياة وعول على الانتحار غرقاً في نهر السين ثم عدل عن الانتحار وبدأ يسترجع قواه العقلية والجسدية.

وفي هذا الدور التعس عقد لكونت عقد ديني أيضاً غير أن ذلك لم يمحِ شيئاً من اختلال بيته وكان المرض قد أثر فيه تأثيراً شديداً فظهرت عليه إمارات الجنون فقام الفلاسفة من معارضي كونت يقبحون طريقته ويتخذون هذه الحادثة حجة على سخف رأيه وفساد تعليمه ويقولون ليس من العقل في شيءٍ أن يتبع الإنسان مذهب مجنون وهذا تحامل مجرد يقصد منه تضييع تأثيره فقد أصيب نيوتن قبله بمرض دماغي فلم ينقص ذلك شيئاً من حرمته والإعجاب بكتابه المسمى (برنيب) الذي وضعه عقيب ذلك المرض.