للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

تاماً يفضي إلى استخراج النتائج بدقة وضبط. هذه هي النقطة التي بدأ منها مذهب الكونتيزم لواضعه أوغست كونت.

استنبط الفيلسوف التحديد العام للعلم من الرياضيات واقتبس منها الأصول التي يجب أن يجري عليها في الأبحاث العلمية أما أساس فلسفته فهو: إن الحوادث كافة تجري على قوانين مقررة والعقل البشري يعجز عن معرفة منشأ الحوادث الأزلي ومنتهاها الأبدي وهذه حقيقة لا ينكرها من كان ذا مشاركة في العلوم الطبيعية لأنه يعلم أن الغية من إيضاح الحادثة الطبيعية ليس إلا إظهار الأحوال والشروط التي يمكن معها حدوث مثلها وتعيين علاقتها بغيرها من الحوادث وإليك مثلاً على ذلك.

اكتشف نيوتن الجاذبية العامة فأوضح بها جميع الحوادث الفلكية وبين أن كثيراً من الحوادث التي كان الناس يتوهمون أن لا علاقة بينها كالخسوف والكسوف والمد والجزر إنما هي مظاهر مختلفة لحادثة واحدة عامة كنا نعبر عنها بالثقل فبتنا نفسر جميع الحوادث الفلكية بالجاذبية ولكنا نعجز عن معرفة ماهية الجاذبية وعلتها الأصلية فإذا سئلنا في ذلك لم يكن عندنا جواب وليس هذا كل ما في الأمر بل أن الفلسفة الموجية تثبت لنا أيضاً أننا لن نستطيع إدراك ذلك فعلينا أن نتخلى عن هذه المباحث لعلماء ما فوق الطبيعة فإذا قال قائل إن اهتزازات الجواهر الفردية بسبب ذلك الثقل لا يكون قد أوضح مبهماً لأن الإشكال ينتقل من الثقل إلى الاهتزازات فلا يلبث المستطلع أن يسأل عن سبب الاهتزاز أيضاً.

إذا أردنا أن نفهم الصفة المميزة للفلسفة المثبتة وجب علينا أن نتتبع الفكر البشري في أدوار ارتقائه وقد وضع كونت لذلك قانوناً عاماً أقنعته بصحة معلومات العصر الحاضر وشهادات العصر الماضي.

وهذا القانون هو أن كل فرع من المعارف يمر في ثلاثة أدوار متعاقبة أو حالات مختلفة أولها الدور الوضعي والثاني الدور المجرد والثالث الدور المثبت.

ونكتفي بذكر هذا القانون بدون أن نتقدم إلى إثباته أو معرفة نتائجه.

شبه كونت الفكر البشري بخضوعه لنواميس الارتقاء وحالاته الثلاثة التي تتعاقب عليه بالإنسان في أدواره الثلاثة من طفولة وشبيبة وهرم.

ونشأت ثلاثة مذاهب مختلفة لإيضاح الحوادث في الأدوار الثلاثة أولها الفلسفة الوضعية