الأجلاء يتسابقون في التقرب بنظمهم ونثرهم إلى الأمير رغبة في العطايا الهائلة والهبات الطائلة. وحصل على هذا التنافس والتزاحم حركة فكرية أدبية لم تر أفريقية مثلها في عصر من عصور السلطنة الإسلامية وصارت القيروان كعبة العلم التي يحج إليها العلماء من جميع أصقاع المغرب حتى من الأندلس. وقد خصص العز لصحبته من بين هؤلاء الزعماء المتقدمين ابن شرف هذا وابن رشيق فكان يلتفت تارة إلى الأول وأخرى إلى الثاني وجرى بسبب ذلك بين هذين الأديبين مناقضات ومهاجمات رسمها كل منهما في رسائل مستقلة ومقامات متنوعة لم يصل إلينا منها شيء فيما نعلم.
حكى ابن شرب المترجم له في كتابه أبكار الأفكار قال: استدعاني المعز بن باديس يوماً واستدعى أبا علي الحسن بن رشيق الأزدي وكنا شاعري حضرته وملازمي ديوانه فقال: أحب أن تضعا بين يدي قطعتين في صفة الموز على قافية الغين. فضمنا حالاً من غير أن يقف أحدنا على ما صنعه الآخر فكان الذي صنعته:
يا حبذا الموز وإسعاده ... من قبل أن يمضغه الماضغ
قد لأن حتى لا مجس له ... فالفم ملآن به فارغ
سيان قلنا مأكل طيب ... فيه وإلا مشرب سائغ
والذي صنعه ابن رشيق:
موز سريعٌ أكله ... من قبل مضغ الماضغ
فمأكل لآكل ... ومشرب لسائغ
فالفم من لين به=ملآن مثل فارغ
يخال وهو بالغ ... للحلق غير بالغ
فأمرنا للوقت أن نصنع فيه على حرف الذال فعملنا ولم ير أحدنا صاحبه ما عمل فكان ما عملته: