ينوب عن المقبور في الضيافة وإذا لم يساعده من الطعام ما يدعو الناس إليه عقر ناقته إكراماً له. ولما قتل ربيعة بن مكدم كان لا يمر بقبره أحد من العرب إلا عقر عليه دابة أو بعيراً حتى مر به شيخ كبير فقال لا أعقر ناقتي ولكن أرثيه مكان ذلك ورثاه بقوله:
لا بعدن ربيعة بن مكدم ... وسقى الغوادي قبره بذنوب
نفرت قلوصي من حجارة حرة ... بنيت على طلق اليدين وهوب
لا تنفري يا ناق منه فإنه ... شريب خمر مسعر لحروب
لولا السفار وبعد خرق مهمة ... لتركتها تحبو على العرقوب
فكان أول من ترك العقر عليه.
(ومنها) قول الحطيئة:
قد ناضلوك وسلوا عن كنانتهم ... مجداً تليداً ونبلاً غير إنكاس
قال التبريزي في شرح الحماسة أراد بالمجد التليد أن الشجاع منهم كان إذا أسر فارساً مذكوراً فمنَّ عليه جزّ ناصيته وجعلها في كنانته. وفسره ابن أبي الإصبع في كتابه بديع القرآن تفسيراً آخر فقال معنى هذا البيت لا يعرفه إلا من عرف عادة العرب إذا منّوا على أسير أعطوه نبلاً من نبلهم عليها إشارة تدل على أنها لأولئك القوم لا تزال في كنانته فقال الحطيئة لهذا الممدوح الذي عناه بهذا المدح أن عداك لما فاخروك سلوا عن كنانتهم نبلك التي أعطيتها لهم حين مننت عليهم تشهد لك بأنهم عتقاؤك فكان هذا مجداً تليداً لك لا يقدرون على جحده تثبته لك هذه النبل التي ليست بإنكاس يعني الصائبات التي لا تنكس إذا ناضلت بها عن العرض وهذا غاية المدح للمدوح ونهاية الهجاء لعداه إذا خبرناهم مع معرفتهم بفضله عليهم يفاخرونه بما إذا أظهروه أثبت لهم الفضل عليهم وهذا غاية الجهل منهم والغباوة انتهى كلامه.
(ومنها) قول سحيم عبد بني الحسحاس:
فكم قد شققنا من رداء منير ... ومن برقع عن طفلة غير عانس
إذا شق برد شق بالبرد برقع ... دواليك حتى كلنا غير لابس
جاء في شرح شواهد الجمل أن العرب كانت تقول أيّما امرأة أحبت رجلاً فلم يشق برقعها وتشتق هي رداءه فسد ما بينهما انتهى. ويروى (إذا شق برد شق بالبرد مثله) وحكوا أن