ذكر خليفته من بعده عبد المؤمن وأولاده وأحفاده ووزراءهم وكتابهم وقضاتهم وأخلاقهم وصفاتهم وأخبارهم. ولما دانت أكثر بلاد الأندلس لعبد المؤمن وتشوفت إليه أعيانها سار حتى نزل سبتسة فعبر البحر ونزل الجبل المعروف بجبل طارق وسماه هو جبل الفتح فقام به أشهراً وابتنى به قصوراً عظيمة واجتمع له في مجلسه فيه من وجوه البلاد ورؤسائها وأعيانها وملوكها من العدوة والأندلس ما لم يجتمع لملك قبله واستدعى الشعراء في هذا اليوم ابتداءً ولم يكن يستدعيهم قبل ذلك إنما كانوا يستأذنونه فيؤذن لهم وكان على بابه منهم طائفة مجيدون فدخلوا فكان أول من أنشد أبو عبد الله محمد بن حبوس من أهل مدينة فاس وكانت طريقته في الشعر على نحو طريقة محمد بن هاني الأندلسي في قصد الألفاظ الرائعة والقعاقع المهولة وإيثار التقعير.
كرر المؤلف الثناء على عبد المؤمن ومما قاله فيه وقد كرر هذا المعنى مراراً (وكان محباً في الآداب مؤثراً لأهلها يهتز للشعر ويثيب عليه اجتمع له من وجوه الشعراء وأعيان الكتاب عصابة ما علمتها اجتمعت لملك منهم بعده) وأفاض ما شاء وشاء بيانه في وصف أبي يعقوب يوسف بن عبد المؤمن وكان عالماً مفنناً مكرماً للعلماء والشعراء كثيراً ولم يزل (يبحث عن العلماء وخاصة أهل علم النظر إلى أن اجتمع له منهم ما لم يجتمع لملك قبله ممن ملك المغرب وكان ممن صحبه من العلماء والمتفننين أبو بكر محمد بن طفيل أحد فلاسفة المسلمين كان متحققاً بجميع أجزاء الفلسفة)(يأخذ الجامكية مع عدة أصناف من الخدمة من الأطباء والمهندسين والكتاب والشعراء والرماة والأجناد إلى غير هؤلاء من الطوائف وكان يقول لو نفق عليهم علم الموسيقى لأنفقته عمدهم وكان أمير المؤمنين أبو يعقوب شديد الشغف به والحب له بلغني أنه كان يقيم في القصر عنده أياماً ليلاً ونهاراً لا يظهر وكان أبو بكر هذا أحد حسنات الأندلس في ذاته وأدواته)(ولم يزل أبو بكر هذا يجلب إليه العلماء من جميع الأقطار وينبهه عليهم ويحضه على إكرامهم والتنويه بهم وهو الذي نبهه على أبي الوليد محمد بن أحمد بن محمد بن رشد فمن حينئذ عرفوه ونبه قدره عندهم).
وابن الطفيل هو الذي استدعى ابن رشد يوماً وقال له: سمعت اليوم أمير المؤمنين يتشكى من قلق عبارة أرسطوطاليس أو عبارة المترجمين عنه ويذكر غموض أغراضه ويقول لو