اللهم هذا الأمر مما يستلزم تقسيم الدول إلىأجزاء صغيرة ليس بينها أقل رابطة محسوسة، إن مساواة تامة كهذه بين شعوب مختلفة في ظل دولة واحدة ليست ممكنة إلا بين أمتين فقط، متساويتين قوة كما هو الحال في بلجيكا حيث يوجد عشر أو اثنتا عشر أمة كما هو الحال في دو لة النمسا والمجر - مختلفات في اللغة وفي العدد وفي المعارف لا صلة بينها، متداخلة بعضها في بعض إذ ترى في القرية الواحدة ثلاث أو أربع أجناس ولغات وفي الولاية أكثر من ذلك. ولا بد لدولة كهذه من لغة رسمية والشعب الذي تكون لغته هي الرسمية يصبح وحده حاكم البلاد. وهكذا تعدم المساواة التامة وتمتهن الشعوب الأخرى فتعيش عيشة منحطة. هناك ترى بين الأفراد الوطني التام ونصف الوطني ذاك تطلق الشريعة لسانه وهذا تقضي عليه نفس الشرعة بالبكم. ومن يذكر تلك الأسطورة الألمانية (خرافة الغرايب السبعة) التي جاء فيها أن ابنة منعت من التكلم مدة سبع سنوات وأن شعباً كاملاً حرم من أبسط حقوق الإنسانية وأعلاها يجد أن هذه الخرافة أصبحت إدارة سياسية في أحوال لا تطاق كالتي وصفناها.
يعتقد بعض الخياليين من رجال السياسة أنه سيأتي عَلَى الإنسانية المتمدنة يوم لا ترى فيه من حاجة إلى الأوضاع الدولية الكبرى إذ لا حرب ولا أمور خارجية: هناك يؤلف الناس جماعات كبرى أشبه بعائلات كبيرة أو جمعيات محدودة يتمتع فيها الفرد بحريته لترقية نفسه ويتكفل جميع أعضائها بالمساعدة الأدبية والمادية الضرورية لحياة الإنسان ويكون كل جماعة مستقلين عن الآخرين إلا في المشاريع النافعة واللازمة لجماعات متعددة والتي لا يستطيع القيام بها منفردات فتتفق إذ ذاك تلك الجماعات اتفاقاً وقتياً خاصاً بالعرض والطلب. وحينئذ تلغى الجنسيات لأن الجماعات المستقلة تكون صغيرة جداً ومؤلفة خاصة من أفراد يتفاهمون بلغة واحدة. وقبل أن أقتنع بإمكان تطبيق هذه النظرية في المستقبل فأنا أفضل نظرية أخرى وهي أن البشر ماداموا سائرين في طريق النشوء العضوي لا بد أن يستغنوا ذات يوم عن اللغة وعن الحركات الرمزية للإفصاح عن مشاعرهم فتقوم مقامها حركة ذات الرؤوس التي ستخاطب الأرؤس الأخرى مباشرة بنوع من الإشعاع أو التنقل المستمر! إني لأضع هذا النشوء الروحاني و١اك التقهقر الدولي في مستو واحد من حيث