وكان الخراج الذي يجبى لحساب الإمبراطور يذهب إليه برمته لذلك اقتضى أن يقوم الأغنياء عَلَى نفقتهم بالاحتفال بالألعاب وإحماء الحمامات وتبليط الشوارع وإنشاء الجسور والمجاري والملاعب. قاموا بكل ذلك مدة قرنين وبذلوا عن سعة في إقامة المصانع المنبثة في أرض المملكة وألوف من الكتابات المزبورة عَلَى الأحجار شاهدة بذلك ابد الدهر.
كان بين جبال البيرنيه ونهر الرين نحو مئة وعشرين مدائن ولم تكن كور ساذجة عَلَى نحو ما يوهمه نظام المجالس البلدية فيها بل إنه كان لمعظمها أرض مساوية لولاية أوابرشيه وهكذا كنت تجد بين نهري اللوار والسوم مدن سانس وسوسوان وأورليان وكانت باريز ونويون وساتليس وبوفي ولاون وسوسوان وامين فقط حواضر مدن وكانت المدن في إقليم البروفانس حيث نزل الرومان منذ عهد متطاول أكثر ازدحاماً وكنت ترى في إقليمي فوكلوس ودروم فقط مدن أفينون وكاربتراس واورانج وكافليون وفيزون وسان بونس ودي وفالانس. وفي ذاك الصقع حفظت أجمل المصانع ففي مدينة ليم ترى الملاعب والمعبد المسمى البيت المربع والقناة المسماة جسر الحرس ومفي مدينة آرلس الملاعب وفي مدينة أورانج المسرح وقوس النصر ولكن جميع المدن كان لها مصانع من هذا النوع. وقد عثروا في باريز أصغر مدن الغاليين عَلَى حمامات حارة وحمامات معدنية بالقرب من نزل كلوني وعَلَى ملاعب في شارع مونج. وما من متحف إلا وترى فيه محفوظاً إلى اليوم بعض بقايا المعابد والمجاري والفسيفساء أو قبوراص رومانية.
أسباب الغارة
الجرمان - كان يسكن وراء نهري الرين والدانوب (الطونة) في البلاد التي تتألف منها اليوم ألمانيا شعوب غير ممدنة كان الرومان يدعونهم الجرمانيين وكانوا كالهنود والفرس والرومان واليونان شعوب من عنصر آري نزحت في القديم من قارة آسيا وهم شعوب من الرعاة أصبحوا حراثين وشعوباً محاربين وكانوا ينقسمون إلى عدة قبائل (نحو أربعين) تحكم كل واحدة نفسها منفصلة عن الأخرى وكثيراً ما كانوا يناوشون بعضهم بعضاً الحرب.
وكان معظم المقاتلين من الجرمانيين لا يعتبرون إلا الحرب ويقول تاسيت أنهم كانوا كلما انقطعت شأفة الحروب من بينهم يقضون أوقاتهم في الصيد ويتخلون عن كل عمل إلا النوم