والأكل. وكان أشجعهم وأشدهم شدة في القتال لا يتعاطون عملاً يتركون العناية ببيوتهم وحقولهم للنساء والشيوخ والضعفاء وهم يعيشون كالمخدرين. وكان في كل شعب كثير من الناس جعلوا الحرب والغارة صناعتهم فيجتمعون حول محارب شريف أو مشهور ويحلفوا بأن يخلصوا له الخدمة وعَلَى هذه الصورة تتألف عصابة من الصحاب مخلصة لزعيم يعيشون في داره ويأكلون عَلَى مائدته يحفون به أيام الحرب ويفادون بأرواحهم في سبيل الدفاع عنه. وكانت تشتد حاجة هاته العصابة إلى الحرب فالرفاق ليتسلوا عن هذه الحياة المقصورة عَلَى الأكل والبطالة والرئيس ليقوم بأود رجاله. وعندما يسود السلام في الشعب تنصرف عصابات المحاربين تقاتل مع زعمائها في جيش أحد الشعوب أو يحاربون عَلَى حسابهم وكانت الإمبراطورية الرومانية تستميلهم للقيام بهذه العمال فبعضهم ينهالون عَلَى ولايات الحدود ينهبونها وآخرون يدخلون في خدمة الرومانيين يقاتلون المهاجمين من البرابرة وكثيراً ما يعودون مستمتعين برواتبهم أو غنائمهم ولكن لذت لكثير منهم عيشة التشرد فلا يكادون يرجعون إلى مساقط رؤوسهم. وقد أدى هذا النظام إلى فناء جميع القبائل النازلة في التخوم فلم تمض ثلاثة قرون إلا وقد زالت العصابات الرحالة ولم يبق حثالة من حثالات الشعوب حتى إذا جاء القرن الثالث ظهرت معاهدات تحت أسماء جديدة ليست أسماء شعوب وهي ثلاثة الألمان في الذراع الذي يتألف من نهر الرين والدانوب العَلَى والفرنك عَلَى المجرى الأسفل من نهر الرين والسكسون معَلَى طول بحر الشمال وكان لكل جماعة من تلك الجماعات الصغرى التي تكون منها تلك المعاهدات زعيم يسمى ملكاً ويحارب في العادة عَلَى نفقته.
إبذعرار السكان في الإمبراطورية الرومانية - جرى إذ ذاك في الإمبراطور الرومانية مثل ما جرى في جميع المجتمعات القديمة كإسبارطة ويونان وإيطاليا أي أنه قل عدد السكان واضمحل الأحرار وخلفهم العبيد ولم يكن لهذا الشعب من العبيد حظ من النمو بل كان إذ حدث كائن من الكوائن التي يكثر حدوثها في ذلك العهد من وباء وحرب وغارة يفنى زراع ذاك الصقع فتظل الأرض غير مأهولة ولم تلبث القرى عَلَى التدريج ولاسيما جهات التخوم أن فرغت من الرجال ولم يبق سكان إلا في المدن وأصبحت عدة أصقاع أشبه بالقفار منها بالأرياف.