وبعد أن اجتازت بالبلاد جيوش المخربين العظمى في القرن الخامس (أمثال راداكليز وأتيلا) حدث في البلاد فراغ استحال عَلَى الإمبراطور أن يملؤه ففي بلاد الغال وإسبانيا وإيطاليا بل في بلاد الغرب أجمع بار شطر كبير من الأراضي لقلة اليد العاملة وأصبحت الولايات الواقعة عَلَى التخوم مقفرة ولم يبق في كل البلاد التي يسبقها نهر الدانوب من سويسرا إلى البلقان ولا مدينة رومانية واحدة واضمحل السكان حتى أنه منذ القرن الرابع لم يبق في جميع هذه البلاد إلا شعوب جرمانية أو سلافية وهكذا الحال في البلجيك ولم يجد الفرنك فيها غير القفر.
انحطاط الجيش الروماني - دعت هذه البلاد المقفرة الناس إلى سكناها فكان البرابرة يحاولون عَلَى الدوام أن يدخلوها وكان من السهل عَلَى الحكومة الرومانية أن تدفعهم عن البلاد كلما كان لها جيش في الجملة ولكن آلت الحال في قلة الجند كما صارت في قلة المال بحيث كان من الصعب أبداً تجنيد العدد اللازم فاعتاد السكان عيش الدعة ولم يعودوا يهتمون أن يفادوا أنفسهم في الجيش فاضطرت الحكومة أن تطلب جنوداً من كبار أرباب الأملاك وهؤلاء يسوقون بعض المزارعين (المستعمرين) في أراضيهم فيأخذونهم بالقوة من وراء سكتهم ومحراثهم فلا يكون منهم إلا جندي سيء النظام فقد أصبح المجندون في القرن الرابع من الضعف بحيث لا يستطيعون لبس الدرع واخذوا يعتاضون عن الخوذة بالقبعة.
ولذا كان القواد يؤثرون أن يستخدموا محاربين من البرابرة لنهم يقاتلون في ساحة الوغى مستميتين وكان في الإمبراطور منذ عهد طويل جنود من الجرمان في خدمة الإمبراطور وفي آخر القرن الرابع اخذ الرومان يجندون عصابات برمتها يجعلونهم مع نسائهم وأولادهم في خدمتهم في أراض يعطونهم إياها ليأخذوا منها أرزاقهم وعلوفاتهم وهؤلاء المحاربون الذين نزلوا في البلاد الرومانية كانوا يحتفظون بلسانهم وعاداتهم وأصول حروبهم وزعمائهم ولكنهم يحاربون في الجيش الروماني ويدعونهم الأجراء أو المحالفين وجاء القرن الخامس فلم يكن منهم عصابات فقط بل شعوب يرأسها الويز غوت والبورغوندا فاجتازوا الحدود بالقوة أحياناً فبدلاً من أن يقاتلوا الإمبراطور آثروا أن يكونوا في خدمته. فتألفت إذ ذاك جيوش رومانية من شعوب بربرية يقودها قواد منهم فقد رأينا الجيش الروماني الذي رد غارات أتيلا سنة ٤٥١ مؤالفاً من ألويزغوت والفرنك