الذي يسوقه الله) وقد ظهر كثير من المهديين منذ القرن العاشر ولاسيما بين مسلمي أفريقية وأنشأ أحدهم خلافة في القاهرة وأسس آخر دولة الموحدين في مراكش وقام لعهدنا مهدي جديد آخر في السودان (١٨٨٤).
المدنية العربية
منشأ المدنية العربية - كان الإسلام كالنصرانية مباحاً الدخول فيه لكل إنسان فإذا اسلم المغلوب يدخل في زمرة المؤمنين وكانت العرب الخلص في الصدر الأول التي تدعو أنفسها السود تحتقر هؤلاء الداخلين في الإسلام المدعوين بالحمر السبال ولكن الخلفاء وضعوا مبدأ المساواة قال عمر من الظلم أن يحتقر المرء أخاه المسلم. وقد أخذ الروم والفرس ممن دخلوا في الإسلام لو ظلوا عَلَى دينهم وهم أعراق في المدينة يتكلمون بالعربية ومزجوا عاداتهم بعادات الفاتحين وخرج العرب متوحشين من قفارهم فتحضروا كما كان شان الرومان قديماً وراحوا يمدنون الشعوب البربر التي مازالت عَلَى توحشها في أفريقية كما مدنت رومية بربر إسبانيا وغاليا.
بغداد وقرطبة - هذه المدنية العربية التي نشأت في الشام وفارس هي شرقية محضة فقد اقتدى خلفاء دمشق بملوك فارس فكانوا يأوون إلى قصورهم المبلطة بالمرمر الأخضر وفي وسط الفناء حوض عظيم يفيض فيسقي حديقة غاصة بالطيار وحوله عبيده يغنون فيشرب شراباً بماء الورد وكانت العاصمتان اللتان أسسهما الخلفاء وهما بغداد وقرطبة أحسن حالة فإن بغداد مدينة العجائب أنشئت في بضع سنين وكان لها أربعة أبواب من حديد تحيط بها قبة مذهبة وكان عَلَى الداخل للوصول إلى القصر أن يجتاز ثلاثة ميادين وثلاثة أبواب وكان القصر مدينة مغلقة وسط المدينة. وفي ردهة الاستقبال شجرة ذهب أغصانها الحجار الثمينة واسود مقيدة وأحواض ومياه منبجة ترطب الهواء وكان لخلفاء القاهرة حديقة أشجارها من ذهب وأزهارها من الجوهر وبلاطها من الزمرد. قالوا أنه كان في قرطبة في القرن العاشر مئة ألف دار وستمائة جامع وثمانون مدرسة وثلثمائة حمام وثمانية وعشرون ربضاً. وقد سميت الراهبة هروسويسا الألمانية مدينة قرطبة بجوهرة العالم وكان الخليفة في قرطبة كما في بغداد يستدعي الشعراء والمغنين ويعيدهم مملوءة حقائبهم من الذهب. ولأغنياء التجار أيضاً حدائق مملوءة بالزهور والشجار العطرة والبسط الفاخرة وأقمشة