طعامه لئلا يلذه طعمه ويجلد نفسه كل ليلة بسلاسل من حديد (ثلاث مرات واحدة عن نفسه وأخرى عن أرباب الخطايا الأحياء وثالثة عن أرواح المطهر) ومات مضجعاً عَلَى الأرض بلا وطاء وكان خلافاً للحبساء منخفض الجناح راغباً في خلاص غيره يريد أن يكون من جماعته الفرنسيسكان نساك أبداً فقراء ولكن نساك يعيشون بين أظهر الناس ليحرضوهم عَلَى التقوى قال لتلامذته: اذهبوا اثنين اثنين مبشرين الناس بالسلام والتوبة للعفو عن خطيئاتكم. لا تخافوا شيئاً لأننا نبدو للناس كالأطفال أو المعتوهين ولكن بشروا فقط بالإنابة والتجدد وكونوا عَلَى ثقة بأن روح الله الذي دبر العالم ينطق بلسانكم. وكانت قاعدته بسيطة للغاية وهو أن لا يملك الأخوان شيئاً بل أن يمضوا في هذا العالم كالحجاج والغرباء يخدمون الله بالفقر له والضراعة إليه والصدقات قصارى ما يتبلغون به ولا يخجلون من حالهم لأن السيد المسيح سن لنا من سنة الفقر. ويلبس الفرنسيسكان لباس الحاجين وهو عبارة عن ثوب من الصوف الغليظ له قبعة ومن هنا اشتق اسمهم (الكبوشيون) ويلبسون في أرجلهم نعالاً ويتمنطقون بحبل (ومن هنا سموا أيضاً بالحباليين) ولا يعيشون إلا من الصدقات.
وكان القديس دومينيك (ولد سنة ١١٧٠) من النساك أيضاً لا يشرب الخمر ويلبس مسحاً مع سلسلة حديد ومات مضطجعاً عَلَى الرماد وكان واعظاً وعظ عشرين سنة في البلاد الألبية لهداية الملاحدة وهناك رأى كيف يطمع الشعب لسماع كلام الله وهو يتألم لما يرى من بذخ رجال الكهنوت. وسن سنة السير عَلَى القدم بألبسة ساذجة للغاية وأراد أن يكون عَلَى شاكلته في الأمة رسل مبشرون فأنشأ جمعية الأخوان الواعظين جعل شأنهم أن يتكلموا في كل مكان بما فيه سلامة الأرواح ووضع الفقر قاعدة لهم.
وهكذا كان الفرنسيسكان شحاذين فأصبحوا واعظين والدومنيكيون واعظين فأصبحوا شحاذين وكانت الرهبنتان تتشابهان من وجوه كثيرة وكانتا كلتاهما منظمتين ولهما قائد يقودهما يطيع البابا مباشرة ولكن الدومنيكيين كانت علاقتهم بالسادة والملوك أكثر والفرنسيسكان بجمهور الشعب وامتدت كلمة هاتين الجمعيتين امتداداً لا يكاد يصدق فلم تدخل سنة ١٢٧٧ إلا وكان للدومنيكيون ٤١٦ ديراً وكان للفرنسيسكان سنة ١٢٦٠ - ١٨٠٨ أدياراً وفي كل دير اثني عشر راهباً عَلَى الأقل وإذ كان اعتمادهم عَلَى الله الذي