بريده الخيل أما تخصيصه خيل بربر بالذكر دون سواها من خيل العرب فقد قال عنه ابن رشيق في العمدة كانت الخيل البربرية تلهب أذنابها كالبغال لتدخل مداخلها في خدمة البريد وليعلم إنها للملك اهـ قلت لعل ذلك كان لصلابتها كما قدمنا وأما قص أذنابها فربما للإعلام بأنها للبريد ولا يبعد أنه كان طلباً للخفة في العدو كما كانوا يعقدون شعر الأعراف والأذناب في الحرب قال الشاعر:
عقدوا التواصي في الطعان فلا ترى ... في الخيل إذ يعدون إلا أنزعا
وقال المتنبي:
ويوم جلبتها شعث النواصي ... معقدة السبائب للطراد
والسبائب جمع سبيب وهو شعر الذنب ويجوز أن يكون لسبب آخر لم أقف عليه. ثم اعلم أن عادة قص الأذناب كانت خاصة عندهم بخيل البريد دون عامة الخيل فإنهم كانوا يستحبون طول أذنابها ويمتدحون به كما قال النابغة:
وكل مدجج كالليث يسمو ... عَلَى أوصال ذيال رفن
وكما قال امرؤ القيس:
لها ذنب مثل ذيل العروس ... تسد به فرجها من دبر
الفرج الفرجة التي بين الرجلين قال ابن رشيق أراد طوله لأن العروس تجر ذيلها إما حياءً وإما من الخيلاء اهـ. قلت وإن عندي امرأ القيس لم يصب كل الإصابة في هذا الوصف لأنهم قالوا يكوه من الفرس أن يكون قصير الذنب وإن يكن طويلاً بطأ عليه فليته جرى هنا عَلَى ما قاله في معلقته:
ضليع إذا استدبرته سد فرجه ... بضاف فويق الأرض ليس بأعزل
فوصف ذنبه بالطول إلا أنه جعله فويق الأرض لأنه إذا بلغها وطئه برجليه وربما عثر به وذلك عيب منه يظهر لك ما في البحتري من الخطأ والوصف:
ذنب كما سحب الرداء يذب عن ... عرف وعرف كالقناع المسبل
(ومنها) قول أنس بن مدرك:
إني وعقلي سليكاً بعد مقتله ... كالثور يضرب لما عاقت البقر
لأن العرب كانت إذا أوردت البقر فلم تشرب لكدر الماء أو لقلة العطش ضربوا الثور