مصر فحرموا منها كما حرموا من الاستمتاع بماء النيل العذب وتربه واديه الممرعة.
هذه النفوذ هي الحد الطبيعي بين مصر والشام بل الحد الناعي الذي اصطلحت عليه مؤخراً الحكومتان المصرية والعثمانية في رفح والعقبة بل الحد الفاصل بين قارتي آسيا وأفريقية لم يحل كل الزمان دون اختلاط أهل هذين القطرين الشقيقين ومن قرأ تواريخ الجبربي وابن إياس والسخاوي وابن حجر والغزي وغيرهم يدرك أن هجرة السوري إلى مصر ترد إلى مئات من السنين ومن بحثوا في أنساب من تولوا أعمال الحكومة المصرية وشاركوا مصر في سعودها ونحوسها من العلماء والتجار والصناع يجد فيهم كثيراً من الشاميين وكذلك الحال في المصريين ببلاد الشام فلا عجب إذا كان حظ مصر والشام واحداً في السراء والضراء وعلائقهما الاقتصادية موفورة مستحكمة وليس أعلق بالقلوب من الصلات المالية. وإنا لنرى العوارض السماوية أو الأرضية كلما اجتاحت الشام فمصر والشام هما قطران بالاسم ولكن بالفعل قطر واحد جرى الاصطلاح عَلَى تسمية كل منهما باسم وكل منهما متمم لصاحبه حتى لقد سئل أحد عمال الدولة العلية في القرن الماضي عن رأيه في القطرين فقال مصر مزرعة حسنة والشام مصيف جميل.
وإذ قد عرفنا أن أجدادنا قد أحسنوا الانتفاع من مجاورة القطرين العزيزين ساع لنا أن نطالب في هذا العهد بزيادة أواخي الإخاء بينهما من طريق البر عَلَى نحو ما هي عليه من طريق البحر فيسعى العقلاء من الماليين إلى نيل امتياز يربط عاصمة الشام بعاصمة مصر بخط حديدي عريض حتى يأتي الراكب في أربعة عشرة ساعة بدلاً من أربعة عشر يوماً وإذا أحب القائمون بالأمر الاكتفاء بوصل السكة الحديدة مع أقرب الطريق إلى مصر فما عليهم إلا أن يكتفوا الآن بإيصاله إلى القدس وهذه ستتصل هذا العام بخط حيفا مبدأ السكة الحديدة من محطة العفولة والمسافة بينهما مئة عن لا تقل كيلومتر تمد عَلَى نفقة أداوة الخط الحجازي ومعلوم أن حيفا مرتبطة بدرعا ودمشق وعندها يسهل عَلَى ابن مصر الاصطياف في جبال الشام وتةبعث هذه يحبونها وثمارها وترسل مصر إلى دمشق بشيءٍ من مدنيتها وعلومها وانتظامها ويخلص كل من يريد أن يخلص إلى مصر من هذه الرمال الموحشة المرعشة والمفازة المدهشة المعطشة التي تعوذ منها كل من اجتازها وقاسى الأمرين من مائها البشع المر الهوع المتروح ولولا أنني تسليت عن المأكل والمشرب في الأيام الخمسة