للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

أن تكون في بقعة متوسطة والكرك منحرفة عن طريق السكة الحديدي ومنحرفة عن نقطة دائرة اللواء وعمرانها القديم لا يشفع لها أن تكنون الحاكمة عَلَى مدائن صالح وهذه من الكرك زهاء ٦٦٠ كيلومتراً! بل الأجدر أن تكون العقبة وتبوك ومدائن صالح كلها لواءاً خاصاً برأسه إذا أرادت الحكومة تحضير البادية وحكم أهلها عَلَى ما يجب.

ولعل بعضهم يعترض بقوله أن العمران مستحيل في هذه الأصقاع ما دامت خالية من السكان ولا ماء فيها ولا كلاء ولكن الحكومة الصالحة تجذب إليها الأنفس كما تحمل الأموال وناهيك بأن عشيرة الفقرا وهي لا تقل عن ٨٠٠ بيت تنتقل بين تبوك ومدائن صالح تسكن في مدة قليلة وذلك لأن الراضي الموجودة بكثرة والمياه إذا حفر بالأرض ثلاثة أو أربعة أمتار تنبط حالاً والبقاع التي ينزلونها مستعدة كل الاستعداد لزراعة البرتقال والنخل فإذا أخذت الحكومة بأيديهم فذاقوا لذة الكسب يعدلون عن عيش الغزو الذي يسوقهم إليه فقرهم ولا يلبثوا أن يصبحوا كسائر العرب الساكنة يدفعون الضرائب ويخدمون في الجندية مثل عامة العثمانيين.

لا نعتقد أن الكرك يتراجع عمرانها إذا نقل منها مركز اللواء لأنه بما دهمها من الفتنة الأخيرة فتخربت بحيث لم تعد صالحة لسكنى أهليها ولا موظفيها إلا بعد بضع سنين عَلَى أن الحكومة جعلتها عَلَى نحو عشرين سنة مركز لواء ولم ترمم قلعتها ولا أتمت مكتبها الكبير ولا مسجدها الجامع فأنت الآن إذ دخلتها تنقبض نفسك من بلد ترى الخراب يتحيفه من كل جانب فتشاهد وعينك تدمع خراباً في العقول وخراباً في النبات وخراباً في الجماد ومثل هذا البلد يعمر بالعلم والعرفان أكثر من عمرانه بالسيف والسنان.

تنقبض النفس في الكرك عَلَى جمال في طبيعتها وهي تطل من جهاتها الأربع عَلَى مناظر لطيفة ومنها البحر الميت ووادي الأردن إلى أعالي جبال أريحا وذلك لأنها كانت في معظم أدوارها التاريخية ظالمة مظلومة واشتهر أهلها بحب الغارة عَلَى عهد الإسرائيليين والموآبيين وحاربها شاول وداود وقامت قائمتها جوارم وملك اليهودية فرجعا عنها مدحورين واضمحل الموآبيون في القرن الثاني قبل المسيح وأصبحت الكرك مفتاح تلك البلاد عَلَى عهد الصليبيين واستولى عليها رنودي شاتليون الذي يسميه المؤرخون العرب البرنس أرنلط وذلك لأنها حاكمة عَلَى طريق قوافل مصر وبلاد العرب القادمة إلى سورية