للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وخدمت القضاة والكبراء وخاطبت السلاطين والوزراء وصاحبت في الطرق الفساق وبعت البضائع في الأسواق وسجنت في الحبوس وأخذت عَلَى أبي جاسوس وعاينت حرب الروم في الشواني وضربت النواقيس في الليالي وجلدت المصاحف بالكرى واشتريت الماء بالغلا وركبت الكنائس (؟) والخيول ومشيت من السمائم والثلوج ونزلت في عرضة الملوك وبين الأجلة وسكنت بين الجهال ومحلة الحاكة وكم نلت العجزة والرفعة ودبر في قتلى غير مرة وحججت وجاورت وغزوت ورابطت وشربت بمكة من السقاية والسويق واكلت الخبز والجلبان بالسيق ومن ضيافة إبراهيم الخليل وجميز عسقلان السبيل وكسيت خلع الملك وأمروا لي بالصلات وعريت وافتقرت مرات وكاتبني السادات ووبخني الأشراف وعرضت عَلَى الأوقاف وخضعت للأجلاف ورميت بالبدع واتهمت بالطمع وأقامني الأمراء والقضاة أميناً ودخلت في الوصايا وجعلت وكيلاً وامتحنت الطرارين ورأيت دول العيارين واتبعني الأرذلون وعاندني الحاسدون وسعي بي إلي السلاطين ودخلت حمامات طبرية والقلاع الفارسية ورأيت يوم الفوارة وعيد بربارة وبئر بضاعة وقصر يعقوب وضياعه ومثل هذا كثير ذكرنا هذا القدر ليعلم الناظر في كتابنا إنا لم نصنفه جزافاً ولا رتبناه مجازاً ويميزه من غيره فكم بين من قاسى هذه الأسباب وبين من مصنف كتابه في الرفاهية ووضعه عَلَى السماع.

ولقد ذهب لي في هذه الأسفار فوق عشرة آلاف درهم سوى ما دخل عليّ من التقصير في أمور الشريعة ولم يبق رخصة مذهب إلا وقد استعملتها قد صليت عَلَى القدمين وصليت بمدها متان ونفرت قبل الزوال وصليت الفرائض عَلَى الدواب ومع نجاسة فاحشة عَلَى الثياب وترك التسبيح في الركوع والسجود وسجود السهو قبل التسليم وجمعت بين الصلوات وقصرت لأفي سفر الطاعات غير أني لم أخرج عن قول الفقهاء الأئمة ولم أؤخر صلاة عن وقتها بتة وما سرت في جادة بيني وبين مدينة عشرة فراسخ فما دونها إلا فارقت القافلة وانتقلت إليها لأنظر هاقا يمد وربما اكتريت رجالاً يصحبوني وجعلت مسيري في الليلة لأرجع إلى رفقائي مع إضاعة المال والهم.

وبعد فقد أجاد المقدسي في تأليفه ما شاء وشاءت الإجادة ومن يتعب في جمع مواد مصنفه مثل ما تعب يجيء منه آية يستفاد منها عَلَى الدهر فلم يترك شاردة في الجغرافية الطبيعية