إلى البلاد التي عنوا بتنصير أهلها وما تلقفوه من معتقداتهم وعاداتهم ولهجاتهم وصناعهم ويقضى عَلَى كل قسيس أن يكتب مقامه في القاصية كتابة أو رسالة تخدم هذا الغرض. ومطبعة بث الدعوة تنشر كل ما يؤلف من هذا القبيل وتترجم إلى لغات شرقية كثيرة الكتب المسيحية والردود عَلَى الإسلام وكان للغة العربية الشأن الأول من بين هذه اللغات التي تطبع فيها المطبعة وهي عشرون لغة شرقية.
وما كان القصد من هذه العناية إلا دينياً محضاً بادئ بدءٍ ولم يكن العلم الشرقي إلا واسطة تساعد عَلَى علم الجدل وكذلك اللغة العربية لم تكون إلا سلاحاً تقاتل به الإسلام ولذلك كانت المدرسة الإكليركية الشرقية في بادو لا ترى غضاضة عليها أن تشتغل بالعلم المجرد أحياناً للأثر الذي يحدث عنه وكانت المطبعة والمكاتب الشرقية من المتمات لتك المدرسة لذهابها بفضل الشهرة وتأثيرها في الأفكار.
وقد تخرج بالأستاذين ماراسي وأغابيتو عد تلاميذ باللغة العربية فصنفوا فيها وأفادوا وتعاقب اثنان من الكرادلة عَلَى أبرشية بادو كان ل منهما يتنافس في عصره في خدمة الدروس الشرقية. وهكذا كان شأن ميلان فإن فريدريك برورومة بث فيها روح العلوم الشرقية وبعث منذ سنة ١٦٠٩ إلى الشرق يبتاع بالأثمان الباهظة كتباً ومخطوطات شرقية فأسس المكتبة الأمبروزية الشهيرة ولم يكثر تلامذة المدرسة التي أسسها لهذا الغرض بل كانوا قلائل امتازوا بإخصائهم وكان ثمة أساتذة خاصة من مسيحيي الشرق أو المسلمين الملحدين ولطالما عطف عليهم ونشطهم وتخرج في مدرسة امبرواز أنطونيو جيجي باللغة العربية فكان لها مجداً أثيلاً.
عد القرنان السادس عشر والسابع عشر عصر ازدهار الدروس الشرقية ولاسيما الدروس العربية في إيطاليا أما القرن الثامن عشر فكوان عصر الانحطاط التام إذ قلت فيه حتى الغيرة الدينية والحماسة العقلية ولم ينشأ فيه سوى الكاردينال ميزوفانتي الخارقة في إتقان اللغات المنوعة فكان مفخراً للعلم الإيطالي وقد تقاسم جمهور الشعب أقيال وملوك متوسطون صار معهم إلى الشقاء والعبودية أما الطبقة العالية فقد حرمت من الاشتراك في إدارة شؤون بلادها ينهكها الاستبداد المدقق أو اضطهاد النمسا الشديد فنسيت في لذائذها المادية حريتها وعلو منزلتها العقلية.