للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسجدي مكة ويثرب طول السنة ولذلمك تسمع فيها كل اللغات في آسيا وأفريقية وترى فيها كل السحنات من أبيض وأحمر وأصفر وأسود ممن تفرع من الجنسين الآري والسامي ولذلك نجد المدينة المنورة أقرب إلى أن تكون برج بابل لاختلاط اللغات والسحنات والعادات منها إلى أن تكون عربية وهي بلد النبي العربي وفي صميم بلاد العرب. والمدينة بطبيعتها تشبه إحدى مدن الأرياف في مصر لأن نحو ربع سكانها مصريون صعايدة ونصف الربع مغاربة والباقون مجنسون عَلَى ما يخمن المخمنون لا عَلَى ما يحصي العادون لأن البلاد العثمانية كلها ليس فيها إحصاء يعتمد عليه بل كثير من أصقاعها ليس له إحصاءٌ بالمرة كالحجاز مثلاً. كنت أؤمل أن أرى عناية الحكومة بالمدينة وهي مهبط أرواح المسلمين في مشارق الأرض ومغاربها أكثر من عنايتها الآن إذا صحة إثبات شيءٍ من العناية لها هنا ومن الأسف أنها لا تقدر هذا الامتياز المعنوي العظيم الذي تتمتع به دولة الخلافة العظمى صاحبة الحرمين الشريفين ولو قدرته حقيقة لذلت كل ما عز وهان في سبيل عمران البلدين الطيبين ولما استطاعت نظارة الأوقاف فيما بلغنا أن تلتهم أوقاف الحرمين عَلَى كثرتها وهي لا تقل عن ١٧ ألف ليرة في الشهر لا يصرف منها عَلَى الحرم النبوي كل سنة أكثر من خمسة آلاف ليرة لأن الأئمة والخطباء والمؤذنين ليس لهم من الرواتب ما يكفيهم فقد تجد الواحد يتناول راتباً قدره ريالان ونصف في الشهر!

وليس معنى هذا أن تصرف كل هذه الأوقاف رواتب للأئمة والخطباء والمطوفين والمزورين والناظرين والمؤذنين بل يصرف قسم منها عَلَى عشرات منهم تكفيهم ذل الطلب ويصرف الباقي في مرافق الحرمين الشريفين ثم عَلَى تزيين البلدين وفتح الشوارع والجادات فيها وجلب المياه وتوزيعها في مناهل وغرس الحدائق وإنشاء المتنزهات والساحات فمن أعظم ما شهدناه أن لا يكون في طيبة سوى شجيرات مع أنه كان عَلَى الحكومة لو غرست كل سنة عشرين شجرة أن يصبح لديها منها ألوف تحسن الهواء ويكون منها مورد يصرف في مرافق المدينة وكل حكومة تريد العمران لا يصعب عليها تحقيقه مهما حاربها الجو وما طبيعة هواء المدينة بأصعب من طبيعة عدن ومع هذا أصبحت عدن بحكومتها جنة عدن بعد أن كانت جحيماً تعوذ من نزولها كل سائح منذ عرف التاريخ.