تقول العمران: وما أحرانا أن نقول الأمن والأمان أولاً لأنه هو أول ما تطالب به الحكومة فقد شهدنا الحامية وافرة جداً في المدينة بالنسبة لسائر المدن العثمانية ومع هذا ترى اللصوص وقطاع الطريق يسلبون وربما يقتلون كل من يصادفونه خارج السور ليلاً وأحياناً نهاراً. ولقد كنت نازلاً في الفندق الوحيد الكبير الذي بناه أحد الوطنيين خارج سور بالحجر السود طبقات كلف نحو عشرين ألف ليرة وهو عَلَى قيد غلوة من سور البلدة أقضي عند بعض الأحباب إلى أول الهزيع الثاني من الليل ومع أن الحكومة الاتحادية كانت أصحبتني بدون طلب مني شرطيين يراقبان أعمالي إرساباً لي فإن أصحابي كانوا يتكفلون إيصال ي إلى النزل كل ليلة خوفاً من اللصوص أما أنا فكنت أعد الخطب سهلاً مع قطاع السابلة أكثر من الخطب بأولئك اللصوص الطغام في صور حكام ومن يكتفي بالمال والمتاع ويعفو عن قطع الأعناق لا يسوءك بقدر من يسرق ويقتل. القتل أنواع ومنه القتل المعنوي الذي ارتكبته عصابات الهول والإرهاب وبلغت بها أنقحة في استعماله حتى في البلد الطاهر في حين من دخله كان آمناً.
نعم إنني لا أعجب لتراخي الحكومة هناك في تقرير الأمن في نصابه فإن احتلال أسباب الراحة قضت عَلَى صاحب كل عربة نقل للحجارة يدفع خوة أو باجاً للصوص الأعراب الذين يستوفون خوة أيضاً من بساتين المدينة ما خلا بساتين كبار الأشراف. وهذه المساءل المحسوسة لا يجرأ أحد من أهل المدينة أن يكتبها في الصحف أو يرفعا إلى المقامات العليا لأن طواغيت الحكومة هناك هم لا يعدمون أنصاراً من الأهلين المنافقين يرهقون الكاتب ويختلقون عليه الزور للإيقاع به إذا شُهروا. ومن أغرب ما تحققت أن الحكومة قلما ترسل محافظاً للمدينة ممن ترضي سجاياهم في الجملة بل أن معظمهم عَلَى شاكلة بصري وعثمان: شدة في غير موضعها وعدم معرفة بالأمور الإدارية وأشياء ليس هذا محل سرودها.
تأملت كثيراً في مسجد الرسول أثناء الصلوات وغيرها فما رأيت خشوعاً من جميع من يختلفون إلى الحضرة النبوية الشريفة ولاسيما من غير الناطقين بالعربية فقلت في نفسي - وقد سمعت خطبة الجمعة وهي لا تخرج عن حد التزهيد في العمل والإعراض عن الدنيا كسائر خطب الجوامع في بلاد الإسلام خلافاً لما كانت عليه سنة السلف الصالح ولكن لبس