للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

التوراة وتفسر به. حتى أن الأساتذة يرون أن من الواجب الاحتفاظ بتعاليمه وإنك لترى صورته معلقة في كل قاعة من تلك المدارس وهو شيخ يجري أبيض اللحية كبيرة السحنة تظهر عليه الشهامة والنشاط.

وكان هذا الرجل من بيت أدب وعلم وكتب في التاريخ والأساطير والشعر القديم والتراجم ما بلغ ثلاثين ألف صفحة وهو عمل عظيم حتى عَلَى من عاش ٩١ سنة مثله ممتعاً بصحته وتقواه. وكانت أمه من بيت علم وأبوه واعظاً دينياً فتعلم من والدته في صباه حب القديم والميل إلى القصص ولطالما غنت له الأغاني الوطنية والأناشيد الدينية التي كان بها في حياته الفرد المقدم فأصبح شاعراً بما لقنته إياه أمه من الشعور وبواسطة الأناشيد الدينية التي ينشدها الفلاحون كل يوم أثر في أفكار فلاحي بلاده وتعلم اللاتينية وكان يحمله معلمه عَلَى الاختلاف إلى بيوت الفلاحين فاستفاد من هذه الزيارات أكثر مما استفاد من دروس النحو والصرف فتعلم كيف يحب الفلاح وكان إذ ذاك عَلَى غاية الفقر وشعر بتنمية حبه للطبيعة والخلاء مما كان أحد مصادر شعره. لبس ثياب الوعظ وانخرط في سلك المبشرين وبعد سنين خلع ثيابه وذهب إلى لندرا فأثرت هذه الرحلة تأثيراً شديداً فيه إذ لم يكن قبلها يعيش إلا عيش الكتب والدفاتر فأخذت نفسه بما رآه في الإنكليز من الحياة العملية والنشيطة وما خصوا به من الذوق في الرياضات الطبيعية وتأصل فيهم حب الاستقلال الشخصي ولاسيما ما عرف عن مدارسهم من حيث إعداد الخلاق شبانهم ورجع من هذه السياحة والشمس في عينه وعالم جديد في قلبه وأخذ ينسج في أشعاره باللغة الدانيمركية الدارجة عَلَى مثال قدماء شعراء الإنكليز وهي ترمي إلى أنه ليس من شعور وطني بدون شعور ديني وأن الأدوار التاريخية التي خلت من الإيمان هي أدوار لا مجد لها وكل يقظة مسيحية هي يقظة وطنية وعلى هذا المحور يدور المترجم به في أشعاره وكتاباته كلها وأعماله الاجتماعية ولقد صرح في إحدى المجتمعات أنه من العبث أخذ السلاح للدفاع عن الوطن إذا لم يكن المرء متشبعاً بالشعور الديني. فمن ثم كان يرى إثارة الشعور الوطني والإيمان في مدارسه الجديدة.

وفي سنة ١٨٣٢ نشر لأول مرة في مقدم كتابه الميثولوجيا الكبرى فكرة مدرسته وفي سنة ١٨٤٤ في اجتمع حضره بضعة ألوف من الفلاحين الوطنيين خطب القوم فأثرت خطبته