الغناء وقوله تعالى واستفزز من استطعت منهم بصوتك قال مجاهد أنه الغناء والمزامير وأنتم سامدون قال ابن عباس: هو الغناء. ومن السنة ما خرجه الترمذي أن النبي صلى الله عليه وسلم رجع من بعض مغازيه فجاءته جارية سوداء فقالت: يا رسول الله إني كنت نذرت إن ردك الله سالماً أن أضرب بين يديك بالدف وأتغنى فقال لها: إن كنت نذرت فاضربي فدخل أبو بكر وهي تضرب ثم دخل عليٌّ وهي تضرب ثم دخل عمر فألقت الدف تحتها فقال النبي صلى الله عليه وسلم: إن الشيطان ليخاف منك يا عمر. وفي حديث عائشة أن امرأة زفت إلى رجل من الأنصار فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم يا عائشة أما كان معهم لهو فإن الأنصار يعجبهم اللهو. واللهو هو الغناء.
وحكي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قدم من سفر فصعد النساء على السطوح يضربن بالدفوف ويقلن:
طلع البدر علينا ... من ثنيات الوداع
وجب الشكر علينا ... ما دعا لله داع
روى ابن عبد ربه في العقد الفريد قال بعض أهل التفسير في قول الله يزيد في الخلق ما يشاء هو الصوت الحسن. وقال النبي صلى الله عليه وسلم لأبي موسى الأشعري لما أعجبه صوته: لقد أوتيت مزماراً من مزامير آل داود.
كان أبو يوسف القاضي ربما حضر مجلس الرشيد وفيه الغناء فيجعل مكان السرور به بكاءٍ كأنه يتذكر به نعيم الآخرة. وقال أحمد بن أبي دؤاد إن كنت لأسمع الغناء من مخارق عند المعتصم فيقع علي البكاء حتى أن البهائم لتحن إلى الصوت الحسن وتعرف فضله.
وكان صاحب الفلاحات يقول بأن النحل أطرب الحيوان كله إلى الغناء وإن أفراخها لتستنزل بمثل الزجل والصوت الحسن. قال في العقد واردف النبي صلى الله عليه وسلم الشريد فاستشهد من شعر أمية فأنشده مائة قافية وهو يقول: هيه استحساناً لها فلماً أعياهم القدح في الشعر والقول فيه قالوا الشعر حسن ولا نرى إن يؤخذ بلحن حسن وأجازوا ذلك في القرآن وفي الآذان فإن كانت الألحان مكروهة فالقرآن والآذان أحق بالتنزيه عنها وإن كانت غير مكروهة فالشعر أحوج إليها لإقامة الوزن وإخراجه عن حد الخبر وما الفرق بين أن ينشد الرجل أتعرف رسماً كاطراد المذنب مرسلاً أو ليرفع بها صوته مرتجلاً وإنما