للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

أهدى ياقوت كتابه إلى صاحبه الذي عرف قدره وهكذا تجده يصرح ولا يحمجم في ممادح البلاد وبالعكس فقد قال في مرو ولولا ما عرا من ورود التتر إلى تلك البلاد وخرابها لما فارقتها فارقها سنة ٦١٦هـ - أي قبل وفاته بعشر سنين إلى الممات لما في أهلها من الرفد ولين الجانب وحسن العشرة وكثرة كتب الأصول المتقنة بها قال وكانت سهلة التناول لا يفارق منزلي منها مائتا مجلد وأكثره بغير رهن تكون قيمتها مائتي دينار فكنت أرتع فيها واقتبس من فوائدها وأنساني حبها كل بلد وألهاني عن الأهل والولد وأكثر فوائد هذا الكتاب معجم البلدان وغيره مما جمعته فهو من تلك الخزائن.

تقرأ حرية ياقوت في تآليفه وكلامه على البلدان والسكان فاقرأ هذا الفصل وهو صورة من أخلاقه وقل معنا أنه لا يقل عن اعتراف الفيلسوف جان جاك روسو لكنه في غير محرم قال: وكنت قدمت نيسابور في سنة ٦١٣ وهي الشاذياخ فاستطبتها وصادف بها من الدهر غفلة خرج بها عن عادته واشتريت بها جارية تركية لا أرى أن الله تعالى أحسن منها خلقاً وخلقاً وصادفت من نفسي محلا كريماً ثم أبطرتني النعمة فاحتجبت بضيق اليد فبعتها فامتنع علي القرار وجانبت المأكول والمشروب حتى أشرفت على البوار فأشار علي بعض النصحاء باسترجاعها فعمدت لذلك واجتهدت بكل ما أمكن فلم يكن إلى ذلك سبيل لأن الذي اشتراها كان متمولاً وصادفت من قلبه أضعاف ما صادفت مني وكا لها إلى ميل يضاعف ميلي إليها فخاطبت مولاها في ردها علي بما أوجبت به على نفسها عقوبة فقلت في ذلك:

ألا هل ليالي الشاذياخ تؤب ... فإني إليها ما حييت طروب

بلاد بها تصبي الصبا ويشوقنا ال ... شمال ويقتاد القلوب جنوب

لذاك فؤادي لا يزال مروعاً ... ودمعي لفقدان الحبيب سكوب

ويوم فراق لم يرده ملالة ... محب ولم يجمع عليه حبيب

ولم يحد حاد بالرحيل ولم يزع ... عن الألف حزن أو يجول كئيب

أئن ومن أهواه يسمع أنتي ... وبدعو غرامي وجده فيجيب

وأبكي فيبكي مسعداً لي فيلتقي ... شهيق وأنفاس له ونحيب

على أن دهري لم يزل مد عرفته ... يشتت خلان الصفا ويريب

ألا يا حبيباً حال دون نهائه ... على القرب باب محكم ورقيب