وداخل البيوت على مثال خارجها في الحسن حذو القذة بالقذة.
أدخل إلى الفنادق الكبرى أو الصغرى وإلى منازل الطبقة العليا أو الفلاحين وإلى قصور الأغنياء أو المقترين تجدها كلها متناسقة بنظافتها وتشهد المساكن والمخازن على هذا الطراز في الصباح والمساء على السواء. وما أنس لا أنس تلك النظافة التي شهدتها في المنزل الذي حللت فيه في مدينة لوزان المطل على بحيرة ليمان ومن ورائها جبال الألب وذلك منذ تدخل الدهليز فتصعد الدرج إلى أن تدخل المنزل وتجلس في غرفتك إلى المائدة إلى الطعام المنوع المستطاب إلى أحقر شيء في الدار.
ولقد كنت أعجب كل يوم من رؤية الخادمة تمسح البلاط والدف في الأرض والنوافذ والدرفات وتنفض الستور والأغشية والكراسي والمقاعد والخزائن والمناضد والزروع الموضوعة في الأصاصي دع التحف والصور والتماثيل الصغيرة ومصابيح الكهرباء وغير ذلك مما لا تخلو منه دار في الجملة. كل هذا مع خدمة المطبخ والمائدة وبعض من يلزم من السوق تقوم به خادمة واحدة وليس هذا الحال خاصاً بالبيوت والفنادق فقط بل إنك تراه في الشوارع والأزقة على صورة مكبرة فإن الأوساخ الخفيفة لا تلبث أن تطرح حتى تكتسح وكذلك الثلج لا يلبث أن يتساقط ٢٠سنتمتراً وأكثر إلا ويرفع من الطرق. وكل شارع وجادة وساحة وسوق وينظف ويغسل بلا إمهال بحيث تصح هنا حكمة الغرب: النظافة أثر من آثار النظام والعمل. والشعوب النظيفة هي التي تحب أن ترى كل شيء في مكانه تقاسي ضيقاً حقيقياً بل ألماً مبرحاً إذا شاهدت الخلل.
ليست النظافة ابنة الكسل لأنها تستوجب من الأفراد والحكومة عملاً وجهاداً متواصلاً ويستدعي أن تحث عليه الحكومة المحكومين كما هو الحال في سويسرا فإن بلدياتها تنفق عن سعت لتجعل البلاد في هذه الحالة من النظافة التي تعجب لها أرقى أمم الحضارة دع شرقياً لا يكاد يقع نظره في بلاده إلا على أقذار الشوارع والساحات والحارات بل في البيوت والحوانيت وخللاً في كل شأن من شؤون الحياة الراقية.
وكان من أثر هذه المفاداة التي أفادت بها بلديات سويسرا في متصرفياتها أو مديرياتها الاثنين والعشرين تحسين الصحة العامة واستجلاب السياح وأحسن معلم لبث الأفكار النظام والوقاية والرفاهية.