تتبارى الحكومات والمديريات والإدارات الخاصة والعامة في مضمار النظافة فتجد اقفاصاً من أسلاك لطيفة موضوعة في المدن في كل شارع وحديقة لتوضع فيها القشور أو الأوراق وربما سار الواحد عدة أمتار حتى يرى تلك السلة المعلقة فيضع فيها ما بيده من الفضلات الخفيفة. ذلك لأن كل سويسري لا يحب أن يرى منتزهه وشارعه وحيه إلا كما يرى بيته طاهراً نقياً ليس فيه ما ينبو عنه النظر. وكيفما انقلبت في سويسرا في القطارات أو المراكب في المحطات والإدارات تشاهد النظافة المجسمة كأن هذه الخاصية صفة من صفات الأمة السويسرية. وربما نسي الغريب أن يضع ما استغنى عنه من الورق أو غيره فيشير إليه الآهلون إلى وضعها في محلها بل إن المفتش في القطار لا يستنكف أن يرفع أوراقاً تتساقط من ركاب قد يكونون في الأكثر غرباء لا يعرفون درجة غلو سويسرا في النظافة في كل شيء.
ما كانت النظافة في فطرة سويسريين أو جنسهم بل هي كسبية وثمرة تربية طويلة ومدينة طاهرة. ولا جدال في أنهم بنظافتهم أرقى من سكان الجنوب والغرب أي من الطليان والفرنسيس نعم ما كانوا أمس كما هم اليوم والدليل على ذلك أن من البلاد السويسرية ما لم يبلغ حتى الآن درجة كافية من النظافة كما يحب السويسريون ولا سيما البلاد التي لا يقصدها السياح وليس فيها فنادق مثل بعض محال من مقاطعة الفالي والكريزون والرينتال وهي إذا قيست بمقاطعات وزوريخ أحياء قليلة على شيء من الوساخة بالنسبة لمجموع البلاد. ولكن مثل هذه الأحياء تهدم الواحد بعد الآخر والقرى تطهر بأسرع ما يمكن وهي نموذج مما كانت عليه سويسرا قبل خمسين أو مئة سنة فاستطاع أهلها بالتربية أن يحرزا فضيلة النظافة التي أصبحوا فيها قدوة الأمم الراقية.
تساءل الباحثون في حال هذه الأمة فيما إذا كان للدين تأثير في نظافة السويسريين والراجح من آرائهم على ما ذكره البردزا في كتابه سويسرا الحديثة أن الدين أثر بالواسطة لا مباشرة وأن للتربية العملية المقام الأول. فالمقاطعات التي سبقت غيرها في مضمار العلم وأحب أهلها النظام وتفانوا في المحافظة عليه كالمقاطعات الألمانية في الشمال وأهلها برتستانت هي أكثر نظافة من مقاطعات الجنوب أي الفالي والتسين والكريزون وأهلها كاثوليك وذلك لأن سكان هذه إيطاليون جاؤوا متأخرين بالنظافة عن الألمان وكذلك في