للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

الساحرة النادرة ويتلاعبون بها كما تشاء أهواؤهم وكما توحي إليهم مخيلاتهم وليس في الأرض أمة بلغت مبلغ العرب في سبك الألفاظ وصياغتها فهم حقيقة صواغ الكلام والسحرة الصادقون الذين كانوا يسحرون الناس بحسن بيانهم وهم أيضاً كانت تسحرهم الحروف التي كانت ترقص أمام عيونهم وتتلاعب بهم. ما كانت العرب تقول ماذا يهمنا من الكأس إذا طاب الشرب ودب دبيب الخمرة إلى النفوس بل كانوا من المولعين بفنهم الشغوفين به يسكرهم جمال الشكل وبسحرهم حلو الحديث ويأخذ بمجامع قلوبهم الكلام الجزل والخيال الذي لا تلمسه الأيدي.

ألقى رينان محاضرة شهيرة في سنة ١٨٨٣ عن الإسلام والعلوم انتقد فيها بشدة ما قيل عن المدينة الإسلامية وقال إن ما تفق الناس على تسميته الحضارة الإسلامية لم يكن لم يكن في الحقيقة سوى المدينة اليونانية نشرت من رمسها وهذبت تبعاً لما أظهرته الأيام بل ولم يكن الفضل في نشرها للعرب وإنما كان الفضل في ذلك للسوريين والكدانيين وأهل الهند وفارس والأندلس الذين صاروا عرباً بحكم الفتح واتحاد اللغة.

قد يكون فول هذا العالم الكبير صحيحاً من بعض وجوهه وعلى كل حال فإن مجال الأخذ والردلية فسيح وباب المساجلة واسع ولكن الأمر الذي لا مجال فيه للجدل هو أن العرب لم يأخذوا شعرهم من اليونان أوالرومان أن من أية أمة من الأمم. فالشعر العربي زهرة نبتت في أرض العرب وتفتحت أكمامها في بلاد العرب وأينعت في بلاد العرب دون أن تتلقح بلقاح غريب بل هي عذارى عربية ولدت في الصحارى العربية وشبت وترعرعت في البلاد العربية دون أن يلامسها غريب فيشوه محاسنها ودون أن تضيف إلى حينها البدوي حسناً مستعاراً ما أغناه عنه.

ولاحظا يا سادتي أن العرب نفوا إلى لغتهم كل أوجل ما يهمهم من المؤلفات والكتب التي تركتها الأمم التي سبقتهم في ميدان المدينة وأخذوا عن كل أمة أحسن وأثمن ما أخرجت قرائح أبنائها فأخذا عن اليونان الفلسفة والطب والهندسة والموسيقى وعن الفرس الفلك وآداب الاجتماع والموسيقى والروايات، وعن الكلدانيين الزراعة والتنجيم وعن المصريين الجراحة والكيمياء إلى غير ذلك مما أخذوه عن غيرهم. ولكنهم ما خطر في بالهم يوماً من الأيام أن يقبلوا من أمة أخرى بيتاً من الشعراء ومعنى من معاني الخيال أو أن يتحدوا