وأنها من وضع شريف أوجي. ولكني أميل إلى الاعتقاد بأنها أعرق من ذلك شرفاً ونسباً وأنها مؤلفة من كلمتين عربيتين هما كلام وبور أي كلام فارغ. . .
وللعرب قصائد بتمامها تنتهي كل أبياتها بكلمة واحدة يختلف معناها في كل بيت منها والآخر بسيط لا غرابة فيه فكلمة عين مثلاً لها ٣٥معنى وكلمة عجوز ستون الخ.
السب الثالث - أن العربي فطر على رقة الشعور وسعة الخيال والقناعة والتفكير والتمتع اليسير من حاجيات المعاش فساعده ذلك على الانصراف إلى التأمل والتفكير والتمتع لهذه الحياة التي ينشط منها الفكر من عقاله ويسرح في مسارح الخيال. فإذا انصرف عن القتال وانتهى من الغزو أحاط به السكون من كل جانب وشمله الهدوء ونظر إلى السماء فإذا هي زرقاء لامعة في النهار مرصعة بالنجوم في الليل فدعاه السكون الذي حوله وجمال المناظر التي يرسل إليها بصره إلى فحص فؤاده وتعرف خبايا قلبه والإمعان في مصائب الناس وتصاريف الزمان وتقلبات الأيام فإذا انقطع هذا السكوت فجأة واقبلت القبائل كعادتها تتقاتل وتتطاحن وجد في ضربات السيوف وفي ملاحمة الأقران ما يثير حماسته ويدعوه إلى الفخر والتغني بالبأس وشدة المراس. فكان من كل ذلك محرك للنفس العربية ولكل أوتارها ونغماتها.
فليس بغريب إذن أن يكثر شعراء العرب وأن تكون ثمرات قرائحهم قد بلغت حد الإعجاز مع وفرتها.
على أني لا أرسل الكلام على عوهنه ولا أقتصر على إرسال القول مبهماً بل أقول لكم جميعاً افتحوا مؤلفاتنا القديمة والحديثة سواء كانت تبحث في الفلسفة أو الطب أو الفلك أو الكيمياء أو الفقه أو الرياضيات أو لاموسقى أو لتاريخ. ثم أجيلوا النظر فيها تجدوا فيها حتماً كثيراً من الأشعار. ذلك أن العشر امتلك لب العربي منذ بزغت شمس تاريخهم وصار له على نفسه السلطان المطلق. فلو تركنا الشعر جانباً وغضضنا الطرف عنه لما استطعنا معرفة تاريخ العرب ولا فهم أحوالهم وعاداتهم والأدوار التي مروا بها فالشعر هو من عناصر الحياة العربية فهو بالنسبة لها كالهواء بالنسبة للحياة الإنسانية بل هو الحياة العربية نفسها بكل قوتها وشدتها ورقتها.
وقد كان الشعر فطرة عند العرب يرسلونه على البداهة بلا أدنى صعوبة ولم يكن فقط