تذكرا الحرب فاحتالا لها تبهاً ... من غير أن يسعيا فيها بسفك دم
هذا يغير على هذا وذاك على ... هذا يغير وعين الحرب لم تنم
فأنظر إلى الحرب قد جالت بمعركة ... في عسكرين بلا طبل ولا علم
ويتبين لنا شدة ميل المأمون للعلم وأهله من قوله عن العلماء هم صفوة خليفة الله وأفضل عباده وانفعهم لأنهم ارصدوا حياتهم لتربية مواهبهم الطبيعية وان الذين يعلمون العلم والحكمة للناس هم مصابيح العالم ولولاهم لارتكس الخلق في عماية الجهالة وغياهب البربرية.
أما عناية المأمون بنقل الكتب فهي في أقصى ما يتصوره العقل لا سيما في نقل كتب المنطق والفلسفة وقيل أن المأمون نقل إلى بغداد مائة حمل بعير من الكتب وكانت إحدى شروط معاهدة الصلح بينه وبين الإمبراطور ميشيل الثالث أن يعطيه إحدى مكاتب القسطنطينية التي كان فيها بين الذخائر كتاب بطليموس في الرياضيات السماوية فأمر المأمون بترجمته وسماه المجسطي وقد جعل الترجمة عامة لكل مؤلفات أرسطو في الفلسفة وغيرها وكان يحرض الناس على مطالعة تلك الكتب ويرغبهم في تعلمها وكان مثابراً على حضور أكثر الدروس التي يلقيها المدرسون واقتجى بالمأمون كثير من أهل دولته وجماعة من أهل الوجاهة والثروة في بغداد وتقاطر إليه المترجمون من أنحاء الجزيرة العربية والعراق والشام وفارس وفيهم النساطرة واليعاقبة والصائبة والمجوس والروم والبراهمة يترجمون من اليونانية والفارسية والسريانية والسنسكريتية والنبطية واللاتينية وغيرها وكثر في بغداد الوراقون وباعة الكتب وتعددت مجالس الأدب والمناظرة وأصبح هم الناس البحث والمطالعة وظلت تلك النهضة مستمرة بعد المأمون حتى نقلت أهم كتب قدماء اليونان إلى العربية.
وقد تقرب جماعة من المأمون واختصوا بالنقل والترجمة منهم الحجاج بن مطر الشهير وابن البطريق وسلم صاحب بيت الحكمة وممن كانت لهم منزلة الرفيعة يعقوب ابن اسحق الكندي فيلسوف العرب خدم المأمون والمعتصم وابنه احمد ينتهي نسبه إلى الأشعث بن قيس من أصحاب النبي (صلى الله عليه وسلم) وله مصنفات جليلة ورسائل كثيرة في جميع العلوم منها الفلسفة الأولى فيما دون الطبيعيات والتوحيد ورسالة في انه لا تنال