جاورها من البلدان والليل في بلادهم في غاية القصر في الصيف حتى أن احدهم لا يفرغ من طبخه حتى يأتيه الصبح، قلت أنا (ياقوت) هذه الصفة جميعها صفة يلغار وما أظنهما إلا واحداً وأنهما لغتان فيه لسانين وليس فيه ما أنكرته إلا قوله أن البرغر على سواحل بحر مانطس وما أظن بينه وبين ساحل بحر مانطس إلا مسافة بعيدة.
وهكذا ترى ياقوت يذكر عبارة من سلفه في وصف الشعوب والبلدان ثم يشفعها بإخباراته وكثيراً ما ينقل مالا يعتقد صحته كما نقل ما قيل في الصين في اثنتي عشرة صفحة مقدماً عليه قوله: وهذا شيء من أخبار الصين الأقصى ذكرته كما وجدته إلا اضمن صحته فان كان صحيحاً فقد ظفرت بالغرض وان كان كذباً فتعرف ما تقوله الناس فان هذا بلاد شاسعة ما رأينا من مضى إليها فأوغل فيها إنما يقصد التجار أطرافها.
ونقل المؤلف عن الاصطخري في وصف ما وراء النهر قال: ولقد شهدت منزلاً بالصغد قد ضربت الأوتاد على بابه فبلغني أن ذلك الباب لم يغلق منذ زيادة على مائة سنة لا يمنع من نزوله طارق وربما ينزل بالليل بيتاً من غير استعداد المائة والمائتان والأكثر بدوابهم فيجدون من علف دوابهم وطعامهم ورقادهم من غير أن يتكلف صاحب المنزل شيء من ذلك لدوام ذلك منه الغالب على أهل ما وراء النهر صرف مفقاتهم إلى الرباطات وعمارة الطرق والوقوف على سبيل الجهاد ووجوده الخيرات إلا القليل منهم وليس من بلد ولا من منهل ولا مفازة مطروقة ولا قرية أهلة إلا وبها من الرباطات ما يفضل عن نزول من طرقه. قال وبلغني أن بما وراء النهر زيادة على عشرة ألاف رباط في كثير منها إذا نزل الناس اقيم لهم علف دوابهم وطعام أنفسهم إلى أن يرحلوا وأما بأسهم وشوكتهم فليس في الإسلام ناحية اكبر حظاً في الجهاد منهم وذلك أن جميع حدود ما وراء النهر دار حرب فمن حود خوارزم إلى اسبيجاب فهم الترك الغزية ومن اسبيجاب إلى أقصى فرغانة الترك الخزلخية ثم يطوف بحدود ما وراء النهر من الصغدية وبلد الهند من حد ظهر الختل إلى حد الترك في ظهر فرغانة فهم القاهرون لأهل هذه النواحي وستفيض انه ليس للإسلام دار حرب هم اشد شوكة من الترك يمنعونهم من دار الإسلام وجميع ما وراء النهر ثغر يبلغهم نفير العدو ولقد اخبرني من كان مع نصر بن احمد في غزاة اشر وسنة أنهم كانوا يحزرون ثلثمائة ألف رجل انقطعوا عن عسكرة فضلوا أياماً قبل أن يبلغهم نفير العدو ويتهيأ لهم