عندهم اظهر أو أكثر وهم عليه أقدر وأمهر وكل واحد في نفسه انطق ومكانه من البيان أرفع وخطباؤهم أو جزء والكلام عليهم أسهل وهو عليهم أيسر من أن يفتقروا إلى تحفظ أو يحتاجوا إلى تدارس وليس هم كمن حفظ علم غيره واحتذى على كلام من كان قبله فلم يحفظوا إلا ما علق بقلوبهم والتحم بصدورهم واتصل بعقولهم من غير تكلف ولا قصد ولا تحفظ ولا طلب وإن شيئاً الذي في أيدينا جزء منه بالمقدار الذي لا يعلمه إلا من أحاط بقطر السحاب وعدد التراب وهو الذي يحيط بما كان والعالم بما سيكون ونحن أبقاك الله إذا أدعينا للعرب أصناف البلاغة من القصيد والإرجاز ومن المنثور والأسجاع ومن المزدوج ولا يزدوج فمعنا العلم على أن ذلك لهم شاهد صادق من الديباجة الكريمة والرونق العجيب والسبك والنمط الذي لا يستطيع أشعر الناس اليوم ولا أرفعهم في البيان أن يقول في مثل ذلك إلا في اليسير والنبذ القليل ونحن لا نستطيع أن نعلم أن الرسائل التي في أيدي الناس للفرس أنها صحيحة غير مصنوعة وقديمة غير مولدة إذا كان مثل ابن المقفع وسهل بن هرون وأبي عبيدة الله وعبد الحميد وغيلان وفلان وفلان لايستطيعون أن يولدوا مثل تلك الرسائل ويصنع مثل تلك السير. وأخرى أنك متى أخذت بيد الشعوبي (راجع المقتبس م٤) فأدخلته بلاد الأعراب الخلص ومعدن ألفصاحة التامة ووفقته على شاعر مغلق أو خطيب مصقع علم أن الذي قلت هو الحق وأبصر الشاهد عياناً فهذا فرق ما بيننا وبينهم فتفهم عني فهمك الله ما أنا قائلهذه حجة الجاحظ في العرب أن أفصح الأمم وقيل أيضاًإن جميع خطب العرب من أهل المدر والبر والبدو والحضر على حزبين منها الطوال ومنها القصار ولكل ذلك مكان يليق به وموضوع يحسن به ومن الطوال ما يكون مستوياً الجودة ومشاكلاً في استواء الصنعة ومنها ذوات ألفقر الحسان والنتف الجياد وليس فيها بعد ذلك شيء يستحق الحفظ وإنما حفظها التخليد في بطون الصحف قال ومتى شاكل أبقاك الله ذلك اللفظ معناه وأعرب عن فحواه وكان لتلك الحال وفقاً ولذلك القد لفقاً وخرج من سماجة الاستكراه وسلم من فساد التكلف كان قميناً بحسن الموقع وبانتفاع المستمع وأجدر أن يأمن جانبه من تناول الطاعنين ويحمي عرضه من اعتراض العيابين ولا تزال القلوب به معمورة والصدور مأهولة ومن كان اللفظ أيضاً كريماً في نفسه متحيزاً في جنسه وكان سليماً من ألفضول بريئاً من التعقيد حبب إلى النفوس واتصل بالأذهان والتحم بالعقول ودهشت إليه