وشهر محرم أوله عند ملوك العرب يجلسون فيه للهناء كالأعياد، وصفر القعود فيه أولى من الحركة، وربيع الأول شهر مبارك. وجمادى الأولى مبعث الحوادث العجيبة حتى قالوا العجب كل العجب بين جمادى ورجب. ورجب الأصم يمتنع فيه الحرب والاستئثار عند عرب الجاهلية ورمضان شهر مبارك للصوم والاستغفار إلى غير ذلك مما اقتطفته من صفحات كثيرة للاستدلال على اعتقاد العرب.
ومن نوادر المنجمين عندهم أن هارون الرشيد مرض فأتى بمنجم فأخذ المنجم له تقويماً فتغير وجهه، فقال له هارون الرشيد أصدقني ما سبب تغير وجهك وما ظهر لك وأنت في أمان فأجابه أنه لم يبق لأمير المؤمنين إلا أيام قليلة وبينما هارون الرشيد مضطرب لهذا النبأ إذا بجعفر البرمكي وزيره قادم عليه فأعلمه بالقصة فاستدعاه إليه وقال له: كم عمرك؟ فقال ثلاثون سنة فقال له جعفر خذ تقويمك لنرى كم تعيش فقال ثلاثاً وثلاثين سنة فقال له هارون مر بقتله فقتل فقال له: لوكان صادقاً لصدق بنفسه. وعاش بعد ذلك هارون أعواماً.
ولما أراد الخليفة المعتصم العباسي فتح عمورية سنة ٢٢٣ هـ (٢٣٨ م) جمع المنجمين ليختاروا له الطالع السعيد للهجوم عليها فحذره من ذلك لأن المذنب هالي كان قد ظهر قبل ذلك أي سنة ٢٢٢ هـ (٨٣٧م) وقد وصفه المؤرخون مثل ابن الأثير وابن أبي أسامة وغيرهما. ولكنه اضطر إلى فتحها فظفر بها واكتسحها فقال أبوتمام قصيدته البائية المشهورة ساخراً بالمنجمين وهي من مشهورات القصائد الواقعية جاء فيها:
السيف أصدق أنباء من الكتب ... في حده الحد بين الجد واللعب
بيض الصفائح لا سود الصفائح في ... متونهن جلاء الشك والريب
والعلم في شهب الأرماح لامعة ... بين الخميسين لا في السبعة الشهب
أين الرواية بل أين النجوم وما ... صاغوه من زخرف فيها ومن كذب
تخرصاً وأحاديثاً ملفقة ... ليست بنبع إذا عدت ولا غرب
عجائباً زعموا الأيام مجفلة ... عنهن في صفر الأصفار أورجب
وخوفوا الناس من دهياء مظلمة ... إذا بدا الكوكب الغربي ذوالذنب
وصيروا الأبراج العليا مرتبة ... ما كان منقلباً أوغير منقلب
يقضون بالأمر عنها وهي غافلة ... ما دار في فلك منها وفي قطب