للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

إليك وأخفّها عليك، فإن لم تشتهه ولم تنازع إليه إلا وبينكما نسبٌ والشيء لا يحسن إلا إلى ما يشاكله، وإن كانت المشاكلة قد تكون في طبقات لأنّ النفوس لا تجود بمكنونها مع الرغبة ولا تسمح بمخزونها مع الرهبة كما تجود به مع المحبة والشهوة

(٨) ما يجب على الخطيب وما لا يجب

قالوا: وينبغي للمتكلم أن يعرف أقدار المعاني ويوازن بينها وبين اقدار المستمعين وبين اقدار الحالات فيجعل لكل طبقةٍ من ذلك كلاماً ولكل حالةٍ من ذلك مقاماً حتى تقسم أقدار الكلام على أقدار المعاني ويقسم أقدار المعاني على أقدار المقامات وأقدار المستمعين على أقدار تلك الحالات فإن كان الخطيب متكلّماً تجنّب ألفاظ المتكلّمين كما انه إن عبّر عن شيءٍ من صناعة الكلام واصفاً أومجيباً أو سائلاً كان أولى الألفاظ به ألفاظ المتكلّمين إذا كانوا لتلك العبارات أفهم وإلى تلك الألفاظ. . . . . . . . . وإليها أحسن وبها أشغف ولأنّ كبار المتكلّمين ورؤساء النّظّارين كانوا فوق أكثر الخطباء وأبلغ من كثير من البلغاء وهم تخيّروا تلك الألفاظ لتلك المعاني وهم اشتقّوا لها من كلام العرب تلك الأسماء وهم اصطلحوا على تسمية ما لم يكن له في لغة العرب اسمٌ فصاروا في ذلك سلفاً لكل خلف وقدورةً لكل تابع.

قالوا: وفبيحٌ بالخطيب أن يقوم بخطبة العيد أو يوم السماطين أو على المنبر أو في سدّة دار الخلافة أو في يوم جمعٍ وحفل أما في إصلاحٍ بين العشائر واحتماء دماء القبائل واستلال تلك الضعائن والسّخائم فيقول كما قال بعض من خطب على منبرٍ ضخم الشّأن رفيع المكان: ثمّ إنّ الله عزّ وجلّ بعد أن أنشأ الخلق وسوّاهم ومكّن لهم لاشاهم فتلاشوا ولو. . . . . . المتكلّم. . . . . . إلى أن يفظ بالتّلاشي لكان ينبغي أن يؤخذ فوق يده، وخطب آخرٌ في وسط دار الخلافة فقال في خطبته: وأخرجه الله من باب الليسية فأدخله في باب الأيسية. . . . . . . . .

قال: وكما لا ينبغي أن يكون اللفظ عاميّاً ساقطاً سوقيّاً فكذلك لا ينبغي أن يكون غريباً وحشيّاً إلا أن يكون المتكلم بدويّاً أعرابيّاً وكلام الناس في طبقاتٍ كما أنّ الناس أنفسهم في طبقات فمن الكلام الجزل والسّخيف والمليح والحسن والقبيح والسميج والخفيف والثّقيل وكله عربيٌّ وبكلٍّ قد تكلّموا وبكلًّ قد تمادحوا وتعايبوا