سليماً من التّكلف بعيداً من الصنعة بريئاً من التّعقيد غنيّاً عن التّأويل.
قال أبوعثمان أعيب عندهم من دقّة الصّوت وضعف مخرجه وضعف قوته أن يعترض الخطيب البهر والارتعاش والرّعدة والعرق قال أبو الحسن قال سفيان بن عيينة: تكلّم صعصعة عند معاوية فعرق فقال معاوية: بهرك القول فقال صعصعة: إنّ الجياد نضّاحةٌ بالماء. والفرس إذا كان سريع العرق وكان هشّاًكثير العرقكان ذلك عيباً وكذلك هو في الكثرة وإذا أبطأ ذلك وكان قليلاً قيل قد كبا وهو فرسٌ كابٍ وذلك يجب أيضاً.
نصائح لطالب الإجادة في خطبه
رأيت بما مضى بعض العيوب التي يجب على الخطيب أن يربأ بنفسه عنّا مما ذكره أبو عثمان الجاحظ وهاك الآن قطعةً أخرى له قال: قال بعض الرّبّانيين من الأدباء وأهل المعرفة من البلغاء ممن يكره التّشادق والتعمق ويبغض الإغراق في القول والكلف والإجتلاب ويعرف أكثر أدواء الكلام ودواؤه وما يعتري المتكلّم من ألفتنة بحسن ما يقول ويعرض للسامع من الافتتان بما يسمع والذي يورث الاقتدار من التّهكّم والتسلّط والذي يمكّن الحاذق المطبوع من التّمويه للمعاني والخلاّبة وحسن المنطق. قال في بعض مواعظه: أنذركم حسن الألفاظ وحلاوة مخارج الكلام فإنّ المعنى إذا اكتسى لفظاً حسناً وأعاره البليغ مخرجاً سهلاًومنحه المتكلم قولاً مقنعاً صار في قلبك أحلى ولصدرك أملأ والمعاني إذا كسيت الألفاظ الكريمة وأُلبِست الأوصاف الرفيعة تحولت في العيون عن مقادير صورها وأربت على حقائق أقدارها بقدر ما زيّنت وعلى حسب ما زخرفت فقد صارت الألفاظ في معنى المعارض وصارت المعاني في معنى الجواري والقلب ضعيفٌ وسلطان الهوى قويٌّ ومدخل خدع الشيطان خفيٌّ فاذكر هذا الباب ولا تنسه وتأمّله ولا تفّرط فيه فإنّ عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه لم يقل للأحنف بعد أن احتبسه حولاً مجرَّماًتامَّاًليستكثر منه وليبالغ في تصفح حاله والتّنفيرعن شأنه إنّ رسول الله صلى الله عليه وسلّم قد كان خوَّفنا من كلّ منافق عليم وقد خفت أن تكون منهم إلا لما كان راعه من حسن منطقه ومال إليه لمّا رآى من رفقة وقلّة تكلّفه قال الجاحظ: فالقصد من ذلك أن تجتنب السّوقيّة والوحشيّة ولا تجعل همّك في تهذيب الألفاظ وشغلك في التّخلّص إلى غرائب المعاني وفي الإختصار بلاغٌ وفي التوسّط مجانبة للوعورة وخروجٌ من سبيل من