لا يحاسب نفسه وقال أحد العلماء وجرى شيءٌ من ذكر الخطب وتمييز الكلام: تلخيص المعاني رفقٌ والاستعانة بالغريب عجز والتّشادق في غير أهل البادية نقص والنّظر في عيون النّاس عيٌّ ومس اللحية هلكٌ والخروج مما بني عليه الكلام إسهاب. وكان يقول: رأس الخطابة الطّبع وعمودها الدّربة وحليّها الإعراب وبهاؤها تحبير اللفظ والمحبّة مقرونة بقلّة الاستكراه وأنشد في خطبة إياد
وقد ردّ الجاحظ على من زعم أنّ البلاغة أن يكون السّامع يفهم معنى القائل وجعل ألفصاحة واللكنة والخطأ والصواب والإغلاق والإبانة والملحون والمعرّب كلّه سواءً وكلّه بياناً قال: وكيف يكون ذلك كلّه بياناً ولولا طول مخالطة السّمع للعجم سماعه لمفاسد من الكلام لما عرفه ونحن لم نفهم عنه إلا للنّقص الذي فينا وأهل هذه اللغة وأرباب هذا البيان لايستدلّون على معاني هؤلاء بإكمالهم كما لا يعرفون ركاكة الرّوميّ والصقلبيّ وإن كان هذا الاسم إنما يستحقونه بأنّا نفهم عنهم كثيراً من حوائجهم فنحن قد نفهم بحمحمة ألفرس كثيراً من حاجاته ونفهم بضغاء السّنّور كثيراً من إرادته وكذلك الكلب والحمار والصبيّ الرضيع
قال: وكانوا يمدحون شدّة العارضة وقوّة اللسنة وظهور الحجّة وثبات الجهاد وكثرة الرّيق والعلوّ على الخصم ويهجون بخلاف ذلك. ثمّ قال: وهم وإن كانوا يحبّون البيان والطّلاقة والتّحبير والبلاغة والتخلّص والرشاقة فإنهم كانوا يكرهون السلاطة والهذر والتّكلّف والإسهاب والإكثار لما في ذلك من التزيّد والمباهاة واتّباع الهوى والمنافسة في العلوّ والقدر وكانوا يكرهون ألفضول في البلاغة لأنّ ذلك يدعو إلى السّلاطة والسلاطة تدعو إلى البذاء وكلّ مراءٍ في الأرض فإنّما هو من نتاج ألفضول ومن حصّل كلامه وميّزه وحاسب نفسه وخاف الإثم والذّمّ أشفق من الغرارة وسوء العادة وخاف ثمرة العجب وهجنة القبح وما في حبّ السمعةمن ألفتنة وما في الرّياء من مجانبة الإخلاص
قال: وكانوا يأمرون بالتبيّن والتثبّت وبالتحرّز من زلل الكلام ومن زلل الرأي ومن الرأي الدبّري والرأي الدبّري هو الذي يعرض منه الصّواب بعد مضي الرأي الأول وفوت استدراكه وكانوا يأمرون بالتحلّم والتعلّم وبالتّقدّم في ذلك أشدّ التّقدّم. قال: أوصيك أن لا