الحاضرة ولو سار الناس على نموذجٍ معيّنٍ في البناء لكانت مصانعنا ودورنا جميلةً كمصانع الإفرنج وبيوتهم ولم يوفّق في ذلك بعض الشّيء إلا أصحاب البيوت المحدثة في بيروت ولبنان والقاهرة والإسكندريّة والأستانة وسلانيك وغيرها من الساحل. ولو تطلّعنا إلى الصين لرأيناها منحطّةً في هندستها ومثلها اليابان تأثرت في هندستها القديمة بجوارها الصّين ولكنّ بناياتها الحديثة حسنةٌ كالهندسة الأوروبية
قال مهندسٌ مصريٌّ: إنّ ما تفهمه العامّة في المدن الصّغرى من أنه لا فرق بين المهندس المعماريّ والبنّاء وكثيرٌ من البنّائين الذين عندهم بعض الذّكاء والمعرفة يقومون بكثيرٍ من الأعمال ليس على حقيقته. فالمباني ليست بهذه السهولة التي اختبروها. نعم إنّ كلّ إنسانٍ قادرٌ على أن يفصّل منزله الذي يرغب في سكناه ويتخيّله ولكنّه لا يدري كيف يجعل شكل واجهته جميلاً فمنهم من يفتكر أنّ حسن المباني بكثرة الزّخرف فيملؤها به فتظهر كشكولاً قبيحاً من الأشكال المتنافرة تدلّ على خفّة واضعها. ومنهم من لا يفكّر في ذلك مطلقاً إلا بعد تمام بنائه فلا يدري كيف يفعل إذ يظهر له كثيرٌ من العيوب وللمطّلع أن يردد طرفه في شوارع القاهرة فيرى ما يدهشه من مثل هذه المباني فإذا زار القاهرة أحد المهندسين الغرباء لأول مرّةٍ فإنه يدهش كثيراً إذ كان يتخيّل قبل رؤيتها مدينةً شرقيّةً جميلةً من الطراز العربيّ التركيِّ وألفرعوني فإذا به يرى خليطاً مدهشاً من المباني لا يدري كيف يعبّرعنه فإذا دقّق النظر في كلّ بناءٍ على حدته وجد اختلافاً عظيماً بينها فبعضها مصنوعٌ على أتمّ ما يكون وهو القليل وبعضها مضحكٌ بل منفّر لا يقدر محبُّ ألفنون الجميلة أن يطيل النظر إليه إلى غير ذلك من مختلف الأشكال والألوان فإذا فحصها لا يرى في ترتيبها ونظامها مشابهةً مطلقاً فيعرف بذلك أن لا قوميّة لهذه البلاد ولا ارتباط ف أذواق أهلها
وقد يلاحظ أيضاً في بعض العمارات أنّ أصحابها ليست فيهم القدرة على بنائها فلذلك حذفوا كثيراً مما كان متمماً لها ابتغاء الإقتصاد ولا يهمهم إلا أن تكون لهم عماراتٌ كبيرةٌ من غير أن يلتفتوا إلى جودة أدواتها ودقّة صنعها ومنهم من يريد أن يجعل مبانيه في غاية المتانة والإتقان فيكثر في الإنفاق عليها دون فائدةٍ وفي كلتا الحالتين تظهر مبانيهم في غاية القبح