يظهر أنّ كثيراً منهم ينقصهم المنطق والانتقاد بل ويزيد فيهم الإهمال والتهون والجهل فإنّ بعضهم يأخذ عمله عن رسومٍ إفرنجية ويريد أن يعمل على شكلها ويحب انيتفلسف فيها فيحذف المهم ويضيف ما يرى انه حسنٌ فيظهر عمله مشوّهٌ وهو يظنّ أنه جاء بما لم يأتِ به الأولون
علم لامباني فنٌّ من ألفنون الجميلة بل هو أحسنها فإذا قارنّا بينه وبين الموسيقى نجد أنّ كليهما مطربٌ للإنسان فالأول مكوّنٌ من نغماتٍ غير متنافرةٍ منتظمة الأوقات والثاني مكوّن من تراكيب وأوضاع غير متنافرة الأجزاء
يظهر الأول مذببات العدد والأوتار يحملها الهواء إلى الآذان فيطرب به الإنسان ويظهر الثاني الظلّ والضوء واللوان فتراها العين في أتمّ ما يكون موضوعةً بنسبٍ محفوظةٍ ما بين مزخرفٍ وبسيطٍ تظهر عليها المتانة والراحة فتشتاق إليها النفس فكلا ألفنّين جميلٌ غير أن الأول تذهب محاسنه في الهواء وبعد ذهابها لا بشعر بها وتبقى محاسن الثاني ما دام لها ظلٌّ
لا يحتاج الموسيقار في تركيب دور الموسيقى إلا لمعرفته النغمات والأزمان وانطباقها على معنىً ما يلحّنه من فرحٍ وطربٍ ولوعةٍ وحزنٍ ولكن في عمل البناء صعوباتٌ جمٌّة من بين فحص الأدوات المختلفة ووضعها وعمل حساب أثقالها ومقاومتها وجمعها وعلى ذلك فإنّ فنّ البناء هو أصعب ألفنون الجميلة وأحسنها وهو في الحقيقة أول شيءٍ يبحث عنه في كلِّ فنٍّ وهوجوابٌ لهذا السؤال الخطيرأوجد لي محلاًّ جميلاً يليق بفنّي أو عملي وأنت ترى تقدّميفيجب والحالة هذه أن لا يعهد في الأعمال إلا إلى المهندسين ألفنيين الأكفاء لا إلى المعلّمين والصنّاع كما هو شأن معظم من يبني في هذا القرن الرابع عشر في بلاد الشّام وياللأسف
ومما يجب أن يلاحظ في هذه المباني حين عملها جودة أدواتها وتحكيم ترتيباتها ودقّة زخرفها ومجانسة وكمال تركيبها العموميّ وطرازها وملائمتها لما يحيط بها ووجود كل ما يحتاج له في محتوياتها وتخطيطها وتناسب كلّ ذلك بعضه مع بعضٍ
وليس في كلّ ذلك من بأسٍ على المهندسين فإنهم معذورون بل المسؤول في ذلك هم أصحاب هذه المباني فإنهم يضنّون بالقليل أجرة أتعاب المهندس الذي يضع لهم تصميماً