عليه ذائب الرصاص ولذلك يطلقون عليه في سامراء اسم نهر الرصاصي وقد صرح كبار المهندسين في تقارير مطولة عليه في وزارة النافعة أن أحياء هذا النهر يتوقف على إنفاق ربع مليون جنيه ولكنه يسقي أصقاعاً بقعاً جرداء هي الآن لا تقل مساحتها عن ثلثمائة ألف فدان ومن ضفاف دجلة تتشعب أنهار أكثرها مندرسة كنهر القاطول وهو الذي يخترق قصور الخلفاء في سامراء ونهر الذهب فوق قرية الدور وهذه الأنهار كانت في عهد العباسيين تدر لبناً وعسلاً ولم يبقَ منها اليوم إلا أطلالها وآثارها.
ومن الفرات تتفرع أنهار كثيرة في طليعتها نهر الحلة الذي أنفقت الدولة العلية على إحيائه نحو تسعمائة ألف ليرة فشيدت له القناطر والجسور والخزانات للمياه قرب الهندية إحدى ثغور الفرات وهو الآن يروي مقاطعة الحلة ومزروعاته لا تقل عن مائة ألف فدان فعادت النضارة والنضارة تجددت الحياة في هاتيك الأصقاع التي كانت مواطن للبابليين أرباب التمدن الزاهر، وهذا المشروع من أعظم وأفخم المشاريع التي قامت في العراق بل في البلاد العثمانية بأسرها.
التجارة
إن امتدت مساحة كبيرة من سورية على ساحل البحر الأبيض قد جعلها في مقام رفيع يحسدها عليه العراق كما تحسده هي على أنهاره فسورية تفوقه بسواحلها وثغورها والعراق يفوقها بمياهه النميرة وقد استفادت سورية بأن كانت أسبق بلاد العرب إلى الاغتراف من بحار التمدين والاقتباس من أنوار الحضارة العصرية فأصبحت كعبة القصاد غليها تشد الرحال من ديار قاصية وبلاد نائية طلباً للعلم وانتجاعاً للأدب في معاهدها وكلياتها على أنها مع امتيازها البحري لا تزال دون العراق في التجارة والمكاسب لأن الزراعة في مابين النهرين جعلت صادرة من الحبوب والتمور والأصواف والجلود والأسمان ومواد الأصباغ أكثر من وارداته من ديار الفرنجة وهي لا تتجاوز عشرة ملايين ليرة سنوياً ولذلك بقيت الثروة الوطنية في مواطنها فلم تتسرب إلى يد الأجنبي كما هو الشائع في سورية.
ومن امتيازات العراق على سورية وغيرها أن فيه كنوزاً طبيعية وفيرة قلما توجد في البلدان الأخرى التابع البترول كثيرة في تخوم فارس قرب خانقين ومتدلي ومناجم الفحم