أثرها وبعد ما أفقت من الإغماء دونت هذه الحادثة في دفتر ورجعت إلى بغداد فرأيت أن الحادثة وقعت في اليوم الذي شعرت فيه وقوعها وقبل خمسة سنين كانت لي شقيقة ابتلت في عفوان شبابها بمرض عضال كنت أراقب أدواره وأخبر الطبيب عما يعرض لها ثم حملني القلق على جمع فريق من الأطباء لفحص مرضها فاجتمعوا مساء وقرروا ابتلاءها بالسل وأنه يستحيل شفاؤها وقد تطول حياتها على نحو شهرين فخرجت وخرج الأطباء من الدار وجلست مع أحد الأصدقاء في بيت آخر فأصابني اضطراب كالاضطراب في الحادثة الأولى وتخيلت موتها وقد عزلني الصديق على هذه الأوهام بعد أن قال الأطباء ببعد أجلها على ما يعرفون من سير السل ولكن ما كانت تمضي بضع دقائق إلا وأتانا الناعي بمعناها ولما سألت عالماً من علماء مصر الذين اشتغلوا بالفلسفة والطب ثلث عصر أجاب بأنه لا يصدق بوقوع الحادثة الأولى وطلب أن أرسل له المفكرة التي دونت فيها الوقعة وأسماء الشهود الذين حضروه وأما الوقعة الثانية فقال عنها أنها من الأمور الطبيعية وأن الإنسان قد يمرض مائة مرة في عمره وفي كل واحدة يعتقد أقاربه بأنها القاضية على حياته مع أن الإنسان لا يموت إلا مرة واحدة وقد بحث غير واحد من المتقدمين في هذه المسائل منهم العلامة ابن خلدون فعقد فصلاً وافياً عب الكهانة والعرافة والأخبار بالغيب وما أشبه: فقال ١ - الكهانة من خواص النفس الإنسانية وذلك أن لها استعداداً للانسلاخ من البشرية إلى الروحانية وأن يحصل من ذلك لمحة للبشر في صنف الأنبياء بما فطروا عليه وتقرر أنه يحصل لهم من غير اكتساب ولا استعانة بشيء من المدارك ولا من التصورات ولا من الأفعال البدنية كلاماً أو حركة ولا بأمر من الأمور وإنما هو انسلاخ من البشرية إلى الملكية بالفطرة في لحظة قرب من لمح البصر وإذا كان كذلك وكان ذلك الاستعداد موجوداً في الطبيعة البشرية فيعطي التقسيم العقلي أن هنا صنفاً آخر من البشر ناقصاً عن رتبة الصنف الأول نقصان الضد عن ضده الكامل لأن عدم الاستعانة في ذلك الإدراك ضد الاستعانة فيه وشتان ما بينهما فإذا أعطى تقسيم الوجود إلى هنا صنفاً آخر من البشر مفطوراً على أن تتحرك قوته العقلية حركتها الفكرية بالإرادة عندما يبعثها النزاع لذلك هي ناقصة عنه بالجبلة فيكون لها بالجبلة عندما يعوقها العجز عن ذلك تتشبث بأمور جزئية محسوسة أو متخيلة كالأجسام الشفافة وعظام الحيوانات وسجع الكهان وما سنح من طير أو