للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

فيا أمير المؤمنين! هذا حرف واحد بعث به جبريل والملائكة من مسيرة خمسين ألف عام حتى أنزل على نبيه، أفلا ينبغي لي أن أجله وأعزه؟

قال: فقال هارون: قم بنا إلى منزلك.

فأتى هارون منزل مالك، فدخل مالك واغتسل ولبس ثيابا جددا وتطيب ووضع مجامير فيها عود وجلس، فقال: هات.

فقال هارون: تقرأ على.

فقال: ما قرأت على أحد منذ زمان.

قال: فأخرج عنى الناس حتى أقرأه عليك.

فقال مالك: إن العلم إذا منع من العامة لأجل الخاصة لم تنتفع به الخاصة.

قال: فأمر بعض أصحابك يقرأه، فأمر المغيرة فقرأه له على مالك.

وفي رواية أن الذي قرأه له: معن.

قال: فكان هارون قد استند إلى جنب مالك، فلما بدأ يقرأ قال: يا أمير المؤمنين، من تواضع لله رفعه الله.

وفي رواية أبي مصعب: من إجلال الله إجلال ذى الشيبة المسلم، فقام فقعد بين يديه، فلما فرغ عاد إلى مكانه.

قال مالك: لما كان بعد مدة قال لي الرشيد: تواضعنا لعلمك فانتفعنا به، وتواضع لنا علم سفيان بن عيينه (٢٥) فلم ننتفع به، وكان يأتيهم فيحدثهم.


(٢٥) قال الخزرجي في الخلاصة: سفيان بن عيينة .... الكوفي، أحد أئمة الإسلام كان حديثه نحو سبعة آلاف … قال الشافعي: لولا مالك وابن عيينه لذهب علم أهل الحجاز، مات سنة ١٧٨. وانظر وفيات الأعيان، الترجمة ٢٥٣ ج ٢ ص ١٢٩.