للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بذلك فقال: " والله ما أردت إلاّ واحدة؟ " فقال ركانة والله ما أردت إلّا واحدة، فردها إليه رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فهذا الحديث صححه أبو داود وابن حبان والحاكم، وهو نص في محل النزاع لأن تحليفه - صلى الله عليه وسلم - ما أردت بلفظ البتة إلاّ واحدة، دليل على أنه لو أراد بها أكثر من الواحدة لوقع، والثلاث أصرح في ذلك من لفظ البتة، لأن البتة كناية، والثلاث صريح، ولو كان لا يقع أكثر من واحدة لما كان لتحليفه معنى. وذهب بعضهم إلى أنه يقع طلقة واحدة، واحتجوا كما في " أضواء البيان " بأربعة أحاديث: الأول: حديث ابن إسحاق عن عكرمة عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: " طلق ركانة امرأته ثلاثاً في مجلسٍ واحد فحزن عليها حزناً شديداً فسأله النبي - صلى الله عليه وسلم - كيف طلقتها؟ قال: ثلاثاً في مجلس واحد، فقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: إنما تلك واحدة فارتجعها إن شئت، والاستدلال بهذا الحديث مردود لأن داود بن الحصين راوى الحديث عن عكرمة ليس بثقة في عكرمة، قال ابن حجر في " التقريب " داود بن الحصين المدني ثقة إلاّ في عكرمة. وإذا كان غير ثقة في عكرمة كان الحديث المذكور في روايته غير ثقة، هذا وجه، وهناك وجه آخر وهو ما ذكره ابن حجر في " فتح الباري " أن ركانة إنما طلق امرأته البتة كما أخرجه هو من طريق آل بيت ركانة، وهو تعليل قوي لجواز أن يكون بعض رواته حمل البتة على الثلاث، فقال: طلقها ثلاثاً، وبهذه النكتة يقف الاستدلال بحديث ابن عباس (١). الحديث الثاني: من الأحاديث الأربعة التي استدل بها من جعل الثلاث واحدة هو ما جاء في بعض روايات حديث ابن عمر أنه طلق امرأته في الحيض ثلاثاً فاحتسبت بواحدة، ولا يخفى سقوط هذا الاستدلال، وأن الصحيح أنه إنما طلقها واحدة. قال القرطبي في تفسيره ما نصه: "والمحفوظ أن ابن عمر طلق امرأته في الحيض، وكان تطليقه


(١) ولحديث ابن عباس طريق أخرى، وقال ابن القيم إلى تصحيحه، وقال شيخ الإسلام ابن تيمية إسناده جيد. (ع).

<<  <  ج: ص:  >  >>