ما أحيا الكتاب، ويميتا ما أمات؟ فإن حكما بحكم القرآن فليس لنا أن نخالف ما حكما به، وإن أبيا وزاغا فنحن من حكمهما براء، وإنما حكّمنا القرآن ولم نحكّم الرجال، لأن الرجال إنما ينطقون بما بين اللوحين.
قالوا: فلم كتبت اسمك ولم تنسب نفسك إلى إمرة المؤمنين، أكنت مرتابا في حقك؟ فقال: إن رسول الله ﷺ لمّا كتب القضية بينه وبين قريش قال: اكتب: هذا ما اصطلح عليه محمد رسول الله وسهيل بن عمرو، فقال أهل مكة: لو كنا نعلم أنك رسول الله ما قاتلناك، فكتب «محمد بن عبد الله». قالوا: إنما قلت لنا ما قلت وقد تاب إلى الله من كان منا مائلا إلى الحكومة، وعادلهم إلى المنابذة ونصب الحرب، فإن تبت وإلا اعتزلناك، قال: فإني أتوب إلى الله وأستغفره من كل ذنب، وقال لهم: ادخلوا مصركم رحمكم الله. فدخلوا من عند آخرهم وبايعوه على إعادة حرب القوم، وقالوا: نجبي الخراج ونسمن الكراع ثم نسير إليهم.
وقدم معن بن يزيد بن الأخنس بن حبيب السّلمي على علي من قبل معاوية، يستبطيه في الحكومة، وقال: إن معاوية قد وفى ففه ولا يلفتنّك عن رأيك أعراب تميم وبكر. فبعث أربعمائة من أصحابه عليهم شريح بن هانئ، وبعث ابن عباس على صلاتهم والقضاء بينهم وولاية أمورهم، وبعث معهم أبا موسى الأشعري، وبعث معاوية عمرا في أربعمائة من أهل الشام فتوافوا بدومة الجندل والتقى الحكمان فقال عمرو: يا أبا موسى ألست تعلم أن عثمان قتل مظلوما؟ قال: أشهد. قال: افلست تعلم أن معاوية ولي عثمان؟ قال: بلى. قال: فإن الله يقول: ﴿وَ مَنْ قُتِلَ مَظْلُوماً فَقَدْ جَعَلْنا﴾