الجهشياري، صاحب كتاب الوزراء والكتاب، الذي ذكر أن «جابر بن داود البلاذري كان يكتب للخصيب بمصر» وطالما أن كلمة «البلاذري» كانت ملصقة بالجدّ - في وقت يحتمل فيه أن أحمد بن يحيى، حفيده، لم يكن قد ولد بعد - من غير المعقول تصور انتقال الكنية من الحفيد إلى الجد، لكن هذا لا ينفي إصابة البلاذري بالوسوسة في أخر أيامه، فلعل ذلك مما عاناه من ضيق ذات اليد، ومن الوحدة وجفوة الأصدقاء، وانحراف الأصحاب، العوامل التي كان لها أثر في إصابته بهذا العارض، وإنه لمن المحزن أن لا يلقى هذا المؤرخ العبقري والشاعر الأديب التقدير الذي استحقه في شيخوخته، وأن تؤول خاتمته إلى الشدّ بالمارستان والموت فيه بشكل محزن.
وكان لهذا آثاره السلبية على انتشار الكتاب وتوفر نسخه، هذا في الماضي، أما في التاريخ الحديث فقد حظي الكتاب باهتمام كبير وعناية شديدة، فكانت أول محاولة لنشره في ١٨٨٤، حيث نشرت قطعة منه تحت عنوان «الجزء الحادي عشر» في توبنغن في ألمانيا، ثم تولت الجامعة العبرية بالقدس نشر المجدلين الرابع والخامس [١٩٣٨ - ١٩٧٠]، وفي هذه الأثناء نشرت دار المعارف بالقاهرة [١٩٥٩] الجزء الأول من الكتاب، ثم نشر الأستاذ محمد باقر المحمودي الجزء الثاني من الكتاب في بيروت [١٩٧٣]، ووضع المعهد الألماني ببيروت خطة لنشر الكتاب كاملا، ووزع أجزاءه على عدد من العلماء المختصين، وكانت المحصلة أن أعاد الدكتور إحسان عباس ما نشرته الجامعة العبرية مع تدقيق رفيع وبعض الزيادات، كما قام الدكتور عبد العزيز الدوري بنشر جزء لطيف يتعلق ببني العباس [بيروت ١٩٧٨] وقام الدكتور إحسان العمد بجمع أخبار الشيخين: أبو بكر وعمر، ونشر ذلك في مجلد في الكويت [١٩٨٩].