كان حيّان ممّن ارتثّ يوم النهر من الأربع المائة الذين عفا عليّ عنهم ودفعهم إلى قومهم، وكان مجتهدا، فمكث في منزله شهرا أو نحوه، ثم خرج إلى الريّ لقتال الديلم في رجال يرون رأيه، فلمّا بلغه مقتل عليّ بن أبي طالب ﵇ دعا أصحابه إلى الرجوع إلى الكوفة، فأجابوه وفيهم سالم بن ربيعة العبسي، وقال وكان شاعرا:
خليليّ ما بي من عزاء ولا صبر … ولا إربة بعد المصابين بالنهر
سوى نهضات في كتائب جمّة … إلى الله ما ندعو ولله ما نفري
إذا جاوزت قسطانة الريّ بغلتي … فلست بسار نحوها آخر الدهر (١)
فلمّا ولي المغيرة بن شعبة الكوفة اجتمع سالم بن ربيعة والمستورد بن علّفة التيمي - تيم الرباب - ومعاذ بن جوين الطائي وعتريس بن عرقوب وغيرهم إلى حيّان في منزله ليتشاوروا فيمن يولّون أمرهم، ليخرجوا منكرين للجور والظلم، ودعوه إلى تولّي أمرهم فأبى، ودعوا معاذ بن جوين إلى ذلك فأبى، ورضي حيّان ومعاذ بالمستورد بن علّفة، فبايعاه وبايعه القوم في جمادى سنة ثلاث وأربعين، وعزموا على الخروج في غرّة شعبان سنة ثلاث وأربعين. وأقبلوا يتجهّزون، فأتى شمر بن جعونة الطائي قبيصة بن الدمّون وهو على شرطة المغيرة فأخبره، فأنهى ذلك إلى المغيرة، فوجّه إليهم خيلا وبلغ المستورد فأمر أصحابه فتفرّقوا وغيّبوا ما عندهم من السلاح وتغيّب،
(١) - ديوان شعر الخوارج - جمع وتحقيق د. احسان عباس، ط. بيروت ١٩٨٢ ص ٥٨.