بسيرتهما ويهتدي بهديهما، فعبته أنت وصاحبك حتى طمع فيه الأقاصي من أهل المعاصي وظهرتما له بالسوء وبطنتما حتى بلغتما فيه منا كما، فخذ - يا بن أبي بكر - حذرك وقس شبرك بفترك تقصر عن أن تسامي أو توازي من يزن الجبال حلمه، ويفصّل بين أهل الشك علمه، ولا تلين على قسر قناته. أبوك مهّد مهاده وثنى لملكه وساده فإن كان ما نحن فيه صوابا فأبوك أوله، وإن كان خطأ فأبوك أسّسه ونحن شركاؤه، برأيه اقتدينا وفعله احتذينا، ولولا ما سبقنا إليه أبوك وانه لم يره موضعا للأمر؛ ما خالفنا علي بن أبي طالب ولسلمنا إليه، ولكنا رأينا أباك فعل أمرا اتبعناه واقتفونا أثره، فعب أباك ما بدا لك أو دع، والسّلام على من أجاب، وردّ غوايته وأناب».
قالوا: ولم يمكث محمد بن أبي بكر إلا يسيرا حتى بعث إلى أولئك القوم المعتزلين الذين كان قيس وادعهم فقال لهم: إما أن تبايعوا وتدخلوا في طاعتنا، وإما أن ترحلوا عنّا. فامتنعوا وأخذوا حذرهم وكانوا له هائبين؛ حتى أتى خبر الحكمين فاجترأوا عليه ونابذوه، فبعث ابن جميهان البلوي إلى يزيد بن الحارث الكناني ومن قبله من أهل القرية التي كان بها، فقاتلوه فقتلوه، فبعث إليهم ابن أبي بكر رجلا من كلب فقتلوه أيضا.
وخرج معاوية بن حديج الكندي ثم السكوني، فدعا إلى الطلب بدم عثمان، وذلك أن معاوية دس إليه في ذلك وكاتبه فيما يقال وأرغبه، فأجاب ابن حديج بشر كثير، وفسدت مصر على محمد بن أبي بكر، وبلغ عليا فساد أمره وانتشاره.
وكان علي قد ولىّ قيس بن سعد - بعد أمر النهروان - أذربيجان وولّى الأشتر الجزيرة، فكان مقامه بنصيبين، فقال: ما لمصر إلا أحد هذين