ترى الناس أخلاطا جميعا وإنهم … على ذاك شتى والهوى يتفرق
ترى المرء إن جالسته ذا صناعة … وسائر ما فيه سوى ذاك أخرق
وتلقى أصيل اللب ليس لسانه … بمخرج ما في قلبه حين ينطق
أبو الحسن المدائني عن عبد الله بن سلم الفهري: أنّ عبد الله بن يزيد بن أسد بن كرز القشيري من بجيلة، دخل على عبد الملك ومعه ابنه خالد بن عبد الله، فقال له عبد الملك: هذا ابنك؟ قال: نعم، قال ما أشبهه بك. قال: ذاك أحبّ إليّ، وأبرأ لساحة أمه.
المدائني قال: قدم الحارث بن خالد بن العاص بن هشام بن المغيرة بن عبد الله بن عمر بن مخزوم الشاعر على عبد الملك فلم يصله ويقال إنّه أقام ببابه شهرا لا يأذن له فانصرف وهو يقول:
تبعتك إذ عيني عليها غشاوة … فلما انجلت قطعت نفسي الومها
فما بي إن أقصيتني من ضراعة … ولا افتقرت نفسي إلى من يسومها
عطفت عليك النفس حتى كأنما … بكفيك بؤسي أو لديك نعيمها
فبلغه ذلك، فأرسل إليه فردّه، فقال: يا حارث أترى على نفسك غضاضة في وقوفك ببابي؟ فقال: لا والله، ولكن طالت غيبتي، وانكسرت ضيعتي، ووجدت فضلا من قول فقلت، وعليّ دين فقال: وكم دينك؟ قال: ثلاثون ألفا، قال: أقضاء دينك أحبّ إليك، أم ولاية مكة؟ قال: ولاية مكة، فولاه إياها فبعثت عائشة بنت طلحة بن عبيد الله بن الحارث وهي بمكة، وقد أقيمت ذات يوم الصلاة، وهي تطوف: إني لم أقض طوافي، فتوقف بالناس حتى فرغت من طوافها، ثم صلى، فبلغ ذلك عبد الملك فعزله، وقال: إني لم استعملك لتنتظر بالناس في صلاتهم طواف عائشة.