سعيد بن عامر بن حذيم أمر فكتب إلى عمر:«إن الغلظة مع النصيحة خير من اللين مع الغش، وقد كنت منكرا لأمر من أمرك فلم أواجهك به إذ لم أجد لذلك موضعا، وقد خفت أن أموت ولم ألقه إليك، إني رأيت منك في أمر قدامة صهرك تحاملا على الشهود الذين شهدوا عليه، ومخاصمة عنه، والحاكم لا يكون خصما، فاحذر مثلها، واستغفر الله منها، واذكر الله عند لسانك إذا نطقت، وعند يدك إذا قسمت وبطشت، وعند همك إذا هممت، فإن الله لا يخادع ولا يقبل إلا نخيلة الأعمال بخالص النيات، ولست تعلّم يا أمير المؤمنين من جهل، وأنا أقرأ عليك السلام». فلما قرأ عمر الكتاب بكى وقال: رحمك الله أبا عمرو، فلقد مضيت طاهر الثوب، ناصح الجيب، لا يأخذك في الله لومة لائم.
وحدثنا محمد بن سماعة الفقيه عن أبي معشر أن عمر بن الخطاب استعمل سعيد بن عامر بن حذيم الجحمي، فلما أراد أن يسير قال: يا أمير المؤمنين أوصيك بتقوى الله، وأن تخشى الله في الناس، ولا تخشى الناس في الله، وأن تحب للمسلمين ما تحب لنفسك، وأن يعتدك نظرك وقضاؤك لقريب الناس وبعيدهم، ولا تقضي في أمر بقضائين فتوبق نفسك، وخض الغمرات إلى الحق حيث علمته، ولا تأخذك في الله لومة لائم، فقال عمر:
من يستطيع هذا؟ قال سعيد: من جعل الله في عنقه ما جعل في عنقك، إنما عليك أن تأمر فيتبع أمرك فقال عمر: جزاك الله خيرا، وأنا أوصيك بتقوى الله، وطاعته ما استطعت.